كثيرا ما أهرش دماغي و يتبادر إلى ذهني سؤال؛ لماذا عاش معظم عظماء العالم تقريبا في نفس الفترة من تاريخ البشرية؟ كونفوشيوس وبوذا ولاوتسو في الصين والهند وزرا دشت في فارس وديموقريطوس وهيراقليتوس وهوميروس وسقراط وأفلاطون في اليونان. لقد عاش هؤلاء في الفترة ذاتها وفي عدة بلدان متباعدة، يقتضي الوصول إليها أشهرا وسنوات بمقاييس ذلك الزمن- القرن الرابع والخامس والسادس قبل الميلاد- هذا إذا استطاع إنسان تلك العصور قطع تلك المسافات الهائلة برا أو تلك الفراسخ بحرا.
قلت في نفسي محاولا الإجابة على ذلك السؤال: ربما انه بتاريخ البشرية يصل الإنسان حدا من الوعي والتجربة وتفتح العقل والتطور.. يكون فيه هذا كله في متناول الإنسان بالمطلق، بغض النظر عن المكان. صحيح أن الإنسان هو نتاج بيئته لكن هنالك سر في مسألة التطور العام من حيث الزمان. ربما في ذلك الوقت المشار إليه أعلاه تفتحت خلايا في دماغ الإنسان كانت مغلقة فيما مضى. يقال في ذلك الشأن أننا في عصرنا هذا و نحن في بدايات القرن الواحد والعشرين نستعمل فقط عشرة في المائة من تلك الخلايا الدماغية المتجددة المتطورة باستمرار... إن خلايا جسم الإنسان تموت وتتجدد، وقد اكتشف العلماء مثلا أن جلد الإنسان يتغير كليا كل سبع سنوات... وان خلايا الجسم تموت وتتجدد ليس في نفس الوقت، الشعر مثلا يظل ينمو بعد موت الجسد ولبضعة أيام. هذا التطور الحاصل في العقل البشري غير محدود، وإن نشاط عقول البشر يختلف من واحد إلى آخر، فقد يسبق واحد الأخر نتيجة ظروف الزمان والمكان والبيئة والمناخ والمأكل والمشرب وغير ذلك من العوامل.
في رواية لباولو كويلو عثرت على جزء من الإجابة. الرواية هي "على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت" (الصادرة عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط 5- 2006 ترجمة بسام حجار). في صفحة 149 يقول الكاتب على لسان الراهب احد أبطال الرواية:
"كان احد العلماء يدرس سلوك القرود في إحدى الجزر الاندونيسية، وقد توصل إلى تلقين قرد كيف يغسل البطاطا في مياه النهر قبل أن يأكلها . فحبة البطاطا المغسولة من الرمل و القاذورات العالقة بها تصبح شهية الطعم". لم يكن غريبا أن يقلد باقي القرود من تلك الطائفة ذلك.. لكن الأغرب كان في شروع القرود في جزر الأرخبيل كلها أن تحذو حذوها. وكان ما يدعو للدهشة أكثر "هو أن القرود الأخرى تعلمت من دون أن تقيم أية صلة بالجزيرة التي اجري فيها الاختبار".
هنالك عدة تفسيرات علمية لهذه الظاهرة لدى كل من الإنسان و القرد، لكن الأكثر شيوعا هو "انه عندما يتطور عدد معين من الأفراد، فان النوع بأسره يتطور في النهاية"... لكن من الواضح أننا ما زلنا نجهل كم هو عدد الأفراد المطلوب.. تماما مثل عدد الحجارة المطلوب كي تتحول الكومة في مصب النهر إلى سد. هذا المثل هو بالنسبة لتحول الجماد من الكمية إلى النوعية. فهل ينطبق على عظماء القرون الغابرة الذين حولوا البشرية من الكم إلى الكيف؟