news-details

"نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى، ما الحب إلّا للحبيب الأول"

 

معذرة أصدقائي الأعزّاء لتطرقي لمثل هذا الموضوع ونحن في زمن اخطف واجري، ونبعد كل البعد عن الرومانسية، فدنيانا اليوم دنيا العمل وقد هجرتها الرومانسيّة والعاطفة الشّفافة. وعصرنا أصبح عصر الكومبيوتر والعواطف المحوسبة حتى أصبحت علاقاتنا الاجتماعيّة تحسب بالمكسب والخسارة، فيصادق الشخص أصحاب النفوذ وأصحاب القرارات وعندما يسأل يجيب"بوس الكلب من تمه لحتى توخذ حاجتك منه".

أصبح البعض يفكر منا تفكيرا ماديًا بحتا حيث لا يقيَّم الانسان بمقدار ما يملك من قيم وعادات إنّما بمقدار ما يملك من مادة حتى وإن طرق الحب باب قلبنا ليستأذن بالدخول نتوقف برهة لنسأل العقل: هل الطارق سيؤمِّن لنا حياة جيدة ومستقبلا زاهرا ويوفر لنا كل وسائل الراحة؟ أمّا الشاب فيسأل نفسه: هل هذه الفتاة عاملة تعينني على أعباء الحياة؟ حتى وإن أحبّ الشاب فتاة ينبهه صوت أهله قائلا: تلك لا تناسبك وستكون عبئا عليك، فيفكّر بدل المرّة ألف مرّة ويختار حسب عقله وحسب نصيحة أهله.

سألت صديقاتي في سهرة أنس تركنا فيها العقل جانبا، وطلبت من كل واحدة منهن أن تعود سنوات إلى الوراء وتحكي لنا عن حبّها الأوّل او رأيها به بعد مضي سنوات طويلة. منهن من استجبن ومنهن تحفّظن فاحترمت رغباتهن. 

قالت الأولى: الحب الأوّل كذبة يصدقها المحب، فعواطفه تنضج بعشوائيّة وتحتاج الزمن الكافي لتشكلها  بواسطة الخبرة والتجربة وعندما يفشل في حبه يظن أنّ تلك هي نهاية العالم فيسيطر عليه الإحباط وتخيّم الكآبة على نوافذه وأبوابه ولكن سرعان ما تتلاشى بمقابلة حب آخر وتجربة أخرى تنسيه التجربة الأولى،وعندما ينضج الشاب أو الفتاة ويتذكّر تلك التجارب يبتسم ويسخرمن سذاجته. 

أمّا الصديقة الثانية فقالت: الحب الأول تجربة لفترة حياتيّة يحياها كل إنسان منّا، وتعد فاحصة تغني صاحبها بالتجربة.

أما صديقتي الثالثة فتعدُّ إنسانة حالمة ورومانسيّة الى أقصى درجة فقالت : الحب الأوّل هو أنقى حب وأطهره لا تشوبه أية شائبة، حيث يسعد الأحبّاء ببسمة أو طلّة أو لمسة بريئة تخدّر أوصال المحب وترتعد جوانبه ويتورد خدّه، فالحب الأوّل يبقى مع الإنسان مهما مرّ من زمن، ويظل الإنسان يحنّ لأول شخص حرّك مشاعره ودغدغها وكما قال الشاعر أبو تمام:

"نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى      ما الحب إلّا للحبيب الأوّل"

فالحب الأّول هو أجمل حب وأنقاه يحب الإنسان فيه روح حبيبه وليس جسده ولا يريد منه إلّا تواجده أمامه ويكون دائما بشوق لسماع كلامه .عندها يحضن الدنيا وما عليها وسعادته لا تقَّدر بثمن.

أما صديقتي الرابعة فقالت: إنّ الحبّ الأوّل عبارة عن دغدغة للمشاعر الإنسانيّة وعزف على أوتار القلب وأحيانا يأتي في سن المراهقة حيث يبكي صاحبه ويتألم بين صدٍّ وجفاء، إنْ لم ينجح حبّه، لكن سرعان ما ينساه، وأحيانا يزورك الحب متأخرا وقد قطعت شوطا كبيًرا من العمر وقد حُصِّنت بالتجارب التي تجعلك تصمد أمام أيّة هزّة يتحرك فيها قلبك، وأخيرا هنيئا لكل الأحبّة ، فأن تحب يعني أنّ أوراق عمرك ما زالت خضراء يانعة، وإن هجرت الحب يعني أن أوراق عمرك قد شارفت على الاصفرار وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من السقوط.

فدعوة مني أن نتناول الحب ونحتاجه مثل احتياجنا للماء والهواء ونجعل الدخول إلى قلوبنا لا يحتاج الى تذكرة ولا جواز سفر، بل نترك أبواب قلوبنا مشرعة لتتسع ما أمكن من الناس لنحبّ بعضنا بعضا، ونرى العالم بمنظار آخر كلّه حب وجمال.

(شفاعمرو)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب