news-details

أرى في عينيك وطني | مليح الكوكاني

ملامحك البديعة، تنساب على وجهك الصافي المبتسم، ونار الاشتعال تلتهم المسافات الطويلة في المشهد العفوي، وحماس الأيام والأحداث يغذّي عروقي في ثورة بركان يقذف حمم الاشتياق وعلامات الحنين الجارف، يذكرني بأخاديد الوطن المسلوب، يصفونه كأجراس العودة في العرس الوطني، وطوابير النازحين والمشردين في غيابهم الذي أطال وداعهم كلما ابتعدوا. إنه الجرح الفلسطيني الذي لم يلتئم على امتداد السنين، فالحق لم يندثر. تتجلى فيك روح الإنسانية المعذبة. تتناثر الابتسامات خجلًا من بريق عينيك الساطعتين، لقد ألهمتني أنفاس اكتمالك العذب، ليحجب الأنفاس عني. تخاطبينني في صمت مليء بالأشواق.  حنين عينيك يبعد عني نار المحن، وفؤادك يتسلل إلى جوفي مثل شلال المطر، يشع وميضه في الليالي الحالكة مثل ضوء القمر. 

على الأريكة في شرفه البيت العتيق، تجلسين في هدوء وعلى مقربة منك تدور رحاها المعركة الأخيرة في أرض الوطن، تحت ظل زيتونة. وفي القلب صراع، إما الانتشار والنصر، أو الانكسار على منابر هيئة الأمم. أنت ملهمتي الأولى والأخيرة، وأجمل ما فيك صورة الوطن، تلك التي نسجتها من خيوط بريق عينيك، لأغرسها مثل الورد والزيتون والياسمين، لتنتشي بالعطر الفواح القادم من حواكير البساتين. يمر عام وراء عام، والحال يبقى تائهًا في المؤتمرات والدواوين، ليزداد الحنين لرؤيتك، بل للنظر إلى جبينك العالي والغالي، وهو يشع بدرًا واكتمالًا وحضورًا وجمالًا، وأنت تتجملين عند المغيب، تلاطف الشمس زرقة البحر عينيك، وبين لحظة وأخرى يتلألأ ضوء ناعم كوجه القمر، ينشر بهدوء ساحر ترانيم أغنيه عذبة، تدل على نقاء العشق المتدفق من نار الحب والوطن. أما تلك الليلة القمرية، فقد غدت سجلًا حافلًا بين قلبين عاشقين، كتب لهما شهادة انتساب واحدة، قلب الوطن المعذب المثقل بالهمّ والدمع والدموع، وقلب فتاتي الكسير في ثناياه صورة عشق ووفاء لأرض وتراب أجدادي. 

كنت أتخيل كيف أرسم على شفاه المبتسمين في الليلة الظلماء مسار الخالدين الصابرين نحو غد مشرق، وقد تحرر الإنسان والشعب من ليل الاستبداد والتسلط والتشرد والمنافي الحزينة وسكان الخيام المظلمة في الليالي الحالكة، المنتشرين على روابي الأمل والعودة، يرسلون إليك قارورة عشق مغلفه بأوراق الثبات وكواشين الأرض، ودموع الحنين إلى الأرض والوطن. هم يرحلون من أماكنهم ليولدوا من جديد وحسراتهم مزروعة هنا في قوارير الوفاء الخالدة.  أما أنت فلا رحيل إليك إلا عبر ربوع من وضعك ورسمك تاجًا على صدر الوطن ونحن فداءه.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب