news-details

أعذُرني صديقي... إنّني مُذنبة | مارون سامي عزّام

خطوتَ نحوي بجرأة، فكَكتَ أزرار قميص التكلّف الذي قيّد حركتكَ في تلك الليلة، عندما دعوتني إلى الرقص، لأنّك أثبتَّ لي أنّك حقًا فارس الشجاعة، لكن كبريائي تصدّت لك في تلك اللحظة الحرجة، حتّى غَاصَت عيناي في أعماق وجهي الأسمر من شدّة خجلي، وردَدْتُك خائبًا إلى مقعدكَ، مع أني رغبْتُ بتلبية طلبك بمراقصتي في فرح تلك الليلة، لألبّي هذا الواجب الاجتماعي الذي يُعتَبر من كماليّات المجاملة وليس من الضّروريّات، إلّا أنَّني فضَّلت أن أبقى مُستَثْنَيَة!! 

بالفعل لا أدري ما الذي جعلني أرفضُ مراقصتكَ دون اعتذار لائق منّي! هل هو رهبة حضوركَ؟! أم خوفي ممّن حولي؟! أم أُصِبتُ بدوار الاستعلاء الذي جعلَني أدُور حول عامود وقاحتي؟!! لستُ أدري... مع أنّي عكس ذلك، أعتَبِرُ نفسي فتاة طيِّبَة جدًّا، عفويَّة التّعامل مع الغير، أنتمي لعائلة مكانتها الاجتماعيَّة متوسِّطة... أثَّر التَّوتُّر عليّ، جعَلَني اعتقد أنّك أردتَ التَّحرُّش بي، رغم درب معرفتنا الطّويل الذي سار على خطى الاحترام المتبادل، إنّما غبائي السّلوكي تغلَّبَ بسرعةٍ على لهفتي، فارضًا عليّ حظر وجودك!! 

أرجوك اعذرني فأنا مخطئة... مُجحفة بحقّك. فكَّرتُ كثيرًا في تصرّفي غير اللبق معكَ، فما طلبتَهُ منِّي لم يكُن مستحيلًا أبدًا، سوى أن أرافقكَ إلى حلبة الرّقص، لكنّي تعمّدتُ ألّا أسمعكَ، كأنّك صَعَقتَ أُذنَيَّ بصوت انفجار قنبلة المفاجأة في وجهي... خُيِّلَ إليّ أنّك دعوتني إلى مصارعة ثيران القَدَر ليرفسوا منديل اعتزازي بنفسي، فوجئت لاحقًا أنه تبلّل بندى ندمي على فعلتي معكَ.

شعرتُ أنّ جسَدي قد شُلَّتْ حركته فجأةً، لأنّ تصرفي كان طائشًا وصبيانيًّا، لا يليق بذائقتي الشَّخصيَّة، لأني أقَدِّر اهتمام الآخرين بي. شهِدَ شهود العيان على لطافة استئذانكَ منّي، إلّا أنّهم أرخوا لي حبْل التّصرّف، دون أن يمنعوني من ممارسة يوغا تأملاتي أمامكَ، للأسف لم يأبهوا حتّى بكَ... لم يقرعوا جرس انتباهي المعلّق على حاجز سهوي.                   

ما زلتُ أعيش على ذكرى تلك الليلة الخريفيّة التي بعثرَت نظراتي إليك، لكنَّك أبعَدتها بقسوة، وعادت إلى ريف سكوني. أرفض مراجعة أحداث تلك الليلة، لخوفي من أن تتعطّل آلة الزّمن بي وتتوقف عندها. كلما لمحتني في أي مكان تتجنَّبني... تُنزلُ عليّ صواعق توبيخكَ الصّامت، تهدّدني بهدم هيكل احترامك لي، لأصرخ من أعماقي: "أنا مذنبة... أنا مخطئة سامحني".

لقد تحوَّل قلبي إلى حبّةِ خردل صغيرة، لا أدري كيف نبتت في صدري دون أن أشعر، كأنّ فانوس الجان سَحَرها. لذلك أرجو أن تعذرني يا صديقي... لا تلُمني... أأنا معذورة أم مغرورة!؟ صدّقني لا أعي ما أقول. أنا في حالة اندهاش، وحقيقة تصرّفي إلى الآن لا تُريحني، فلو راقصتكَ لتمنَّيت أن يختفي الحُضور، لكنّي أضَعتُ الفرصة التي أعطَيتَني إيّاها!!

صرتُ أهذي، وعلى بشرَتي بدأت أحاسيسي تتشابك وشرودي، تتداخل بعضها ببعض، متحكمة بنفسيّتي المتعبة، بسبب رفضي البشِع لرغبتك بالرقص معي على إيقاعات انبساطنا، لكن ذَنبي عطَّل وقْعَ قَدَميَّ عن التَّحرُّك نحوكَ، لقد اعتقدتُ أن التّظاهر بتجاهلكَ هو أبسط علاج آنِيّ في جعل تلك الليلة تَعْبُر بأمان، لأني فكَّرتُ في حال تشابكت يدَينا ببعض لا إراديًّا، سأقلِّل من شأني وهذا لا أقبله، لذلك خفتُ من همس شفاه التمتمة عليّ، فتضؤل قيمتي كفتاة محافظة على التّقاليد، لذلك اعذرني!!

لن يهدأ بالك أيّها النّظاميّ، إلّا عندما ترغمني على دخول دائرة النّظام الاجتماعي، أحمِل بين يدَي رزمة كبيرة من الأوراق، فيها بيانات طلب الاعتذار. ستجعلني أنتظر خارجًا حتّى يحين دوري، ترغمني أن أقف في الطابور كالمحتاجين على باب الشّؤون الاجتماعية، لأسجّل طلبي أوّلًا في سِجِل الذّوق العام، إلى أن يمر بجميع المراحل البيروقراطيّة، وعندما يصلكَ طلب اعتذاري للنّظر فيه، ستقرر إذا كنتُ أستحق شفاعتكَ، أعلم أنك لن تقبَل طلب اعتذاري بسهولة، ولا أتوقع غير ذلك، فأنتَ تَكرَهُ التناقض الغريب في تصرفات الفتيات.

بصراحة سئمت من عرض مشهد تلك الليلة الذي إلى الآن يمُر أمامي يوميًا مثل قطارٍ بخاريّ بطيء، أحاول إِنزاله بقوَّة عن سِكَّة ذاكرتي، ولكن لا جدوى. لا تُرغمني أنْ أنتزع من تحت جِلد حيائي بطانة تقديري لك... كفى يا عزيزي، ألسنا صديقَين منذ وقتٍ طويل كما كنتَ تقول دائمًا؟! مضى شهر مرَّت أيّامه محمولة على رؤوس رماح الزمن، تحاول أن تُصيب أيِّ زاويةٍ من زوايا لوحة اعتذاري المحطّمة، لكنّها قد أخطأت الهدف، لأنّكَ حوَّلتَها إلى طائراتٍ ورقيّةٍ تحلّق حولكَ، كتَبتَ عليها: "صديقتي، لن أقبل اعتذاركِ الآن".

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب