news-details

الحُبُّ الشَقِيّ مَارون | سامي عَزّام

لا أدري ما الذي أَلَمَّ بفتياتِ العصر؟! ما بالُهُنَّ يتمرَّدنَ على نصيبِهنَّ دونَ مُبرِّر؟! فتراهُنَّ يَعتبرْنَ الشُّبانَ لعنةً حلَّت عليهنَّ، وعندما يتقدَّمُ الشبابُ طالبينَ التقرُّبَ مِن عُروشِهِنَّ، تتأرجحُ ردودُهُنَّ على حِبالِ حَيرتِهِنَّ فيُدخِلْنَ هؤلاءِ الشبابَ في نَفَق المماطلة الطويل والمتعِب... يُصاب الواحدُ مِنهم أحيانًا بدُوار مِنَ التساؤلات، فيَضيعُ في دهاليزِ ذاتِهِ باحِثًا عَن عِلَّةٍ فيها. لعلَّ بعضَهُنَّ نسِينَ أنَّ الحبَّ لا يكبُر بل يبقى مدى العُمر طفلًا شقيًّا، لا يستطعْنَ السيطرةَ عليه أبدًا... 

الحبُّ يبقى بطبيعتِه مُتطفِّلًا على آراءِ الفتيات غيرِ المنطقيّة... يحاولُ دحضَها... يتبعهنّ كيفما تحرّكْنَ، يغزو غُرَفَ نومِهِنَّ... ينبُش أغراضَهُنَّ الشخصيّة... يتغلغلُ في وسائدِ أحلامِهِنَّ الورديّة، كي يتمكَّنَ مِن تبصُّرِ مصيرِهِنَّ الغامض، لكن دونَ جدوى!!  

مهما حاولْنا مَحْوَ اعترافِنا بالحبِّ أو تجاهُلَه وإبعادَ المؤثِّراتِ الجانبيّة لهُ عَن مشاعرِنا فسيبقى يحومُ حولَ قلوبِنا ليُسِرِّعَ نبضَ لهفتِنا. الحبُّ يراقب نظراتِنا الملاحِقةَ كالمخبرين كلَّ فتاة عابرة... مُتَجَسِّسًا على أحاديثنا الشّبابيّة السرّيّة، سابرًا أغوارًا خَفِيّةً من جُحر غفلَتِنا ليتملّك حاضرنا، مُقتحِمًا ثكناتِ ضمائرِنا التي يحاصرُها اليأس، ليرفعَ عنّا حظرَ الفَشل.

نشأ الحبُّ الشقيُّ في بيئةٍ مُتَحرِّرة مِن قُيود تحكُّم الفتيات اللاتي يحاولْنَ تحطيمَ قُوَّة احتمالِه لفظاظةِ قراراتِهِنَّ غيرِ المبرَّرَة. الحبُّ يكرهُ تقييدَ نشاطِه الرّومانسيِّ المعتاد. شقاوةُ الحبِّ تؤمِن بأنَّ التطوُّرَ الشعوريَّ ينمو ببطءٍ لدى الجنسَين، إلى أنْ تبدأَ وتيرةُ نبضاتِ الغِبطة تتسارعُ في رحمِ أحاسيسِ الطّرفَين، فيبدأُ جنينُ الصِدقِ بالتكوُّن، وأطرافُ الودّ بالتكامُل شيئًا فشيئًا بينَ الشخصَين.

ذاتَ يوم قرّر الحبُّ الشقيُّ الغوصَ في أعماقِ وجدانِنا، فوجد في داخلنا كتلةً مِنَ العواطف الرقيقة نائمةً منذُ سنين على سريرِ مخيِّلتنا، متعَبةً مِنَ البحث الدقيق عَن فتى الأحلام أو فتاتِها. الحبُّ الشقيُّ يحاولُ بشتّى ألاعيبه وأحابيله إيقاظَ عزيمةِ بعضِنا المتخاذلةِ والخاملة، للبدء برحلة استكشافيّة جديدة لاكتشاف جزيرة حبٍّ جديدة، تتمتَّع بمُناخٍ جماليٍّ هادئ غيرِ مُتقلِّب... تنعمُ بدفء البساطة... رياحُها الفكريّة مُعتدلة... لا ترتفعُ حرارة المتطلَّبات أكثرَ مِنَ المعدَّل المطلوب. 

نحن نريد اكتشافَ قارّات غير تلك القارّات الأنثويّة الباردة التي اكتشفناها في عصر طيشِنا، لأنَّ أنهُرَ الإدراك والعقلانيَّة والتفهُّم ما زالت جليديّة، لا تسطعُ فوقَها شمسُ الوَعي... إلى الآن ما زالت تعكسُ ظِلَّ ماضيها على حاضرها!! خوضُ تجربة جديدة في الحبِّ يتطلَّب تمهيداتٍ أوّليّةً لفهم عقليّة أيِّ سيِّدة، ولتنبيهِها بأنَّها قد تخطّت حدودَ الأساطير والحكايات... تجاوزَت منذُ زمن طويل دَورةَ المراهقة التي مرَّت بها في صِباها، واليوم باتَت رهينةَ نُضجِها، وقطعَت شوطًا عُمريًّا تعدّى سِنَّ الثلاثين. 

نجدُ الحبَّ الشقيَّ يضجرُ مِنَ انعدامِ الرؤيا المستقبليَّة لدى الفتاة، فيصرف النظر عنها، لأنَّ طبيعةَ الحبِّ الشقيّة تكرهُ الوِحدة والتوحّد، تبحثُ دائمًا عَنِ الشّراكة الحقيقيّة وتُنادي بالواقعيّة.

أيُّها الحبُّ الشقيُّ الذي لا يهدأُ لكَ بال! لا تَدَعْ أيَّ فتاة خارج نِطاق سيطرتِك. لا تتركْ أيَّ شابٍّ بعيدًا عن سقف توقُّعاتِك بنجاح تجربته معك... لا تَدَعْ أحدًا يفرضُ عليكَ عُزلةً قَسريّة في منزل الاكتئاب. 

حطِّمْ أيُّها الحبُّ الشقيُّ أصنامَ مبادئِهِنَّ التي يعبدْنَها. قُمْ واقتحمْ أسوارَها الوهميّة!... صوِّبْ نظراتِ الشبّانِ التّائهةَ نحوَ الهدف الأسمى المنسيّ، لامِسْ رغباتِ الفتيات الدّفينةَ حتّى يتلمَّسْنَ أنوثتَهُنَّ ويعترفْنَ بوجودك يومًا ما، متحدِّيًا مَن يستطيع كتمَ دويِّ صوتِكَ! لأنَّه سيبقى الأقوى في هذا العصر المليء بمرابعِ اللهو الافتراضيّ. 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب