"يجب أن نتبع كل الأساليب الممكنة من أجل ترحيل أكبر عدد من سكان هذه البلاد العرب".
(دفيد بن غوريون)
فيلم وثائقي جاء متأخرا كثيرا في توقيته، ولكنه في المحصلة فيلم جيد وجريء في هذا الوضع القاحل حيث المد اليميني الفاشي سيد الموقف، وخطابه اليميني الفاشي هو ما يطغى على مجريات الانتخابات المقبلة، وذلك بعد أن اختفت عن ساحة العمل السياسي ما كان يطلق عليه اسم "اليسار الصهيوني"!
يعتمد هذا الفيلم على المئات من الوثائق الحية لمن كان لهم دور وشاركوا في احتلال الطنطورة، وفيما بعد، لما جرى من أعمال قتل وتصفية للمئات من أهل القرية الأبرياء، حيث تحولت إلى مجزرة رهيبة راح ضحيتها المئات من أهل هذه القرية الكئيبة، عروس البحر وزهرة من زهرات بلادنا فلسطين.
كانت الطنطورة جنة لأهلها ولكل القرى من حولها، أرض طيبة وبحر جميل ومستوى حياة راقٍ بأهله وناسه، وهذا ما يؤكد عليه معظم من سمع شهاداتهم في هذا الفيلم، ممن شاركوا في عملية القتل أو من أهلها الباقين على قيد الحياة حتى اليوم.
تمت مهاجمة الطنطورة من أربع جهات من قبل لواء النخبة آنذاك لواء إسكندرون، شارك المئات من أفراد هذا الجيش في الهجوم، وتم إنهاء هذه المعركة خلال ساعات مع جيش مدرب ومجهز بأحدث الوسائل الحربية آنذاك، مقابل العشرات من المدافعين مع أسلحتهم المتواضعة وانعدام أي تدريب عسكري سابق وبأسلحة بسيطة، سقطت الطنطورة بعد أن استشهد عدد من المقاومين الذي لا يتعدى عددهم أصابع اليدين!
ولكن المأساة المروعة حدثت بعد احتلالها وعملية التطهير العرقي التي نفذتها القوات المهاجمة، التي راح ضحيتها المئات من الأبرياء، من رجال ونساء وأطفال، وتم ترحيل من تبقى إلى قرية الفريديس المجاورة، ومن ثم لاحقا ترانسفير قسري إلى ما وراء حدود فلسطين.
وقامت القوات المهاجمة بإحضار بعض الأهل من قرية الفريديس المجاورة وإجبارهم على حفر قبور جماعية ودفن شهداء الطنطورة، وهذه شهادة يؤكد عليها العشرات ممن شاركوا في عملية القتل والتطهير العرقي في الطنطورة!
داني كاتس، أحد المشاركين في هذه العملية، والذي أصيب بإحباط وتأنيب ضمير فيما بعد، قام بجمع هذه الشهادات وقدمها لبحث أكاديمي لشهادة الماجستير في جامعة حيفا، وحصل على الشهادة بدرجة جيدة جدا، ولكن بفعل تدخل من قبل المؤسسات الرسمية وبعض المتنفذين في هيئة التدريس تم إلغاء البحث وسحب الشهادة، ولكن كاتس لم ييأس، بل عرض على مخرج هذا العمل أن يتحول بحثه إلى مادة أساسية لهذا الفيلم، وقام المخرج بتحويلها إلى فيلم وثائقي حقيقي. وقد تعرض كاتس ومخرج الفيلم إلى الكثير من الملاحقة والمضايقات من قبل الدوائر المتنفذة واليمينية، ولكن في محصلة الأمر تم إنجاز هذا الفيلم بنجاح، وتحول كما تحولت دراسة المؤرخ إيلان بابيه من قبل إلى وثيقة واضحة لعملية التطهير العرقي الممنهج في الطنطورة وفي العشرات من المدن والقرى الفلسطينية.
آن الأوان لكي تعترف حكومات هذه البلاد بحقيقة ما جرى من نكبة وكارثة على مختلف الأصعدة.
كما ذكرت سابقا، الفيلم حمل رسالة وأطلق صرخة مدوية في وجه سياسية الأبرتهايد العنصري، كما كان حال سكان أستراليا وأمريكا الاصليين، الشيء المؤسف أن الأجندة التي سار على خطاها منفذو سياسات حكومات إسرائيل المتعاقبة ما زالت نفسها، نفس السياسة ونفس أجندة الأبرتهايد والتطهير العرقي، حري بهذا الفيلم أن يعرض للأجيال الشابة لدى المجتمع اليهودي، لكي يتعرف الجيل القادم على حقيقة ما فعله الآباء...
ولكن للأسف، ما زال النهج والطرح العنصري هو سيد الموقف قبيل هذه الانتخابات، وهذا مؤشر ودعوة إلى جميع أحزابنا الفاعلة على الساحة بالتكاتف والوحدة وتكثيف الصوت العربي الحر على أسس وأجندة وطنية واضحة، من أجل الاستمرار في معركة التجذر والبقاء في وطننا هذا، الذي لم ولن يكون لنا وطن سواه!
إضافة تعقيب