(بمناسبة حفلات التخرّج من الثانويات)
تكثر في هذه الأيام حفلات التخرّج لأولادنا من خريجي المدارس الثانوية. والتخرّج هو علامة فارقة بين ما كان وما سيكون، بين درب قطعناه ودرب سنبدأ السير فيه، بين ما أصبح ماض وبين حاضر ومستقبل.
أورد أدناه هذه الرسالة من القلب إلى القلب وإلى قلوب أبنائنا وبناتنا مخاطبًا فيكم العقل والوجدان وأقول لكم أولاً مبروك عليكم التخرّج يا أحباءَنا وفلذات أكبادنا، أقول قولاً يمسّ شغاف قلب كل واحد منكم، قولاً ربما يثير فيكم التطلّع نحو مستقبل واعد يسرّكم ويسرّ أهاليكم.. لقد كثرت بمناسبة تخرّجكم الكلمات في الحفلات وكثرت الخطب الرّنانة الموجهة إليكم، تحمل في ثناياها الوصايا الكثيرة في التعامل مع الحياة الواسعة... كلمات أكثر ما يقال عنها إنها رنّانة تدخل اذانكم لتخرج منها بعد رجوعكم إلى البيت... إلا أن هنالك وصايا من نوع آخر وصايا تتصل بحياتكم اليومية وبتعاملكم مع الصغيرة والكبيرة في مجتمعكم. "انكم تخرجون اليوم من حياة المدرسة والتعلم إلى مدرسة الحياة وستدخلون مرحلة جديدة في حياتكم، فإذا كان هناك ما أوصيكم به فهو أن تعملوا بجد وتصونوا الأمانة التي علقها الأهل في رقابكم. لقد عشتم حاضرًا زودكم بزاد الحياة من العلم والمعرفة وسينتظركم مستقبل تنوّرون فيه على أنفسكم وعلى أهلكم وعلى مجتمعكم مع دعوتي لكم بحياة عريضة مثمرة، وانه ليحضرني بهذه المناسبة بعض النصائح التي نصح بها المربي العربي الفلسطيني خليل السكاكيني طلابه الخريجين قبل أكثر من سبعين سنة، وأنا أرى في هذه الوصايا التي تبلغ العشر زخمًا تربويًا يصح أن يقال في كل زمان ومكان في مدرسة الحياة وهاكم هذه الوصايا:
ستجدون من الناس من هم أشبه بالملائكة، ومنهم من هم أشبه بالأبالسة، أما الملائكة فكونوا معهم ملائكة وأما الأبالسة. فالويل لهم منكم.
ستجدون من الناس من يسرق ليعيش ومنهم من يعمل ليعيش فإذا لقيتم النوع الأول فلا تسلموا على أحد منهم قبل أن تعدوا أصابعكم، وإذا لقيتم النوع الثاني، فاحنوا رؤوسكم إلى الأرض إجلالاً لهم.
حاولوا جهدكم أن ترضوا الناس أجمعين، ولكن إذا كان هناك من الناس من لا يرضيه شيء فليشرب البحر.
احترموا كل من يستحق الاحترام، ولا تعبدوا أحدًا، عظّموا كل من يستحق التعظيم ولا تستصغروا أنفسكم.
لا تتعدّوا على أحد ولكن لا تسمحوا لأحد أن يتعدّى عليكم.
تساهلوا في كل شيء إلا في كرامتكم.
الحياء فضيلة، ولكن إذا حاول الأشرار أن يستغلّوا حياءَكم فلا تكونوا ذوي حياء.
الكرم فضيلة ولكن إذا طمع الأشرار في كرمكم فلا تكونوا كرماء.
لا تنسوا القاعدة الذهبية - من علمني حرفًا كنت له عبدًا - إنها العبودية المنزّهة عن العيب وليس فيها ما يعيب كأن تكون عبدًا لله تعالى وكأن تكون عبدًا لضيفك، فكما قال الشاعر المقنّع الكندي:
وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً |
|
وما شيمةْ لي غيرها تُشبهُ العبدا |
لا تنسوا تصريف الفعل الناقص مع الضمائر (وهذه إشارة من السكاكيني إلى أهمية متابعة طلب العلم فكما قيل: اطلبوا العلم من المهد على اللحد).
وأنا أقول لكم أولا:
احفظوا هذه الوصايا عن ظهر قلب.
وثانيًا:
اخرجوا إلى العالم واعملوا مع العاملين على إصلاح فاسدّه وتقويم معوّجه، فالعالم يحتاج دائمًا إلى دم جديد فكونوا أنتم هذا الدم الجديد وتذكروا دائمًا ان ليس أمامنا إلا طلب العلم، لأن هذا هو الذي يبقينا على خارطة الوجود بعد أن فقدنا في هذه البلاد الخارطة الأساسية، بعد أن فقدنا الأرض وسُحبت من تحت أرجلنا السجادة الخضراء.
نحن نعيش كأقلية قومية فلسطينية أصلانية في هذه البلاد ولا يُعترف بنا كذلك بل نُعتبر طوائف ومجموعات لا يربطنا مع بعضنا بعضًا شيء، وكان الانتماء العربي والفلسطيني غير قائم. عليكم أن تتذكروا إننا لن ننجح في هذا البلد إلا إذا كنا متميّزين في كل شيء فكونوا ممتازين ممتازين ممتازين أيها الخريجون.
إضافة تعقيب