news-details

صِراعُ النَّملِ | سهير شحادة

حدثَ مرَّةً أَنْ وَلجَت نملةٌ النّفقَ التُّرابي المؤدّي إِلى قريتها وهي في حالةٍ يُرثى لَها. ذُهِل معشر النّمل لحالتها هذه، وحينَ سُئِلت عن السَّببِ، حرّكت قَرنَيها الصّغيرَيْنِ بإِشارةِ اهتياجٍ وَغيظٍ قائلةً:

"أَعلمُ أَنّنا مَعشرٌ يوغِلُ عُمقًا في التّراب، وقد شاع صيتُنا بِقدرتِنا على حمل الأَعباء، نَشقُّ طريقَنا إِلى النّور حين نكونُ في حاجةٍ وَفاقَةٍ، فَنُلملمُ ما تستطيع ظهورُنا الصّغيرةُ على حملهِ. قبل دقائقَ معدودةٍ كنتُ ورفيقتي في البرِّ، بين الحجارةِ نتعاونُ في جرِّ بعضِ فُتاتِ الخبزِ اليابسِ. وفيما نحن في ذلك، أَبصرتُ طفلةً صغيرةً تجلسُ مُقرفِصَةً وعيناها شارِدتانِ...لم يُخامرني الشّكُّ حينها بأَنّها ستنقلبُ إلى وحشٍ كاسرٍ ينقضّ علينا كالسّهمِ؛ ففي اللّحظةِ الّتي لمحتنا، انتفضت من مكانها وهي عازمةٌ على مطاردتنا بكلّ ما أُوتِيَت من قوّةٍ...حاولنا الفِرار منها، لكنّها كانت أَكثرَ دهاءٍ..."، بكت النّملةُ ثمّ أردفت بِصوتٍ متهدِّجٍ: "مسكينةٌ رفيقتي، قضت نحبها وهي تحاول الهروب من براثنها اللّئيمةِ".

ران الصّمتُ في أرجاءِ المكانِ، حتّى جاء صوتٌ يقولُ:

" قضيتُ نصف حياتي فوق التّرابِ عند الإنسانِ، وما بدر منه أيّ أذى يُذكر...بل كنت أَعود إلى هنا سالمًا محمّلًا بالثّروات بعد أن يترك خبزه وزادهُ على حافات الأسوار وفي الأرصفة والطُّرقات !! لا بدّ أن تكون رفيقتكِ قد خالفت أَعرافهم وتقاليدهم..."

"هذا كذبٌ وافتراءٌ...كيفَ تجسرُ على قولِ هذا الكلام"، صرختِ النّملةُ.

علتِ الأصوات فيما بينهما وراحا يتلاحيانِ دون توقّف، وانشقّت العشيرةُ إلى معسكرَيْن، أَحدهما ينادي بوجوب إطلاق صرخة استنكار على تصرّف الأنسان الأرعن وإن جاء من طفلة صغيرةٍ لا تدرك عواقب فعلتها هذه، والآخر ينادي بالتّنديد بما قامت به النّملة من مخالَفة للأعراف والشّريعة الإنسانيّة.

أصاب حبل الحديثِ الوهن وراح تدفّقُ الكلامِ يتقطّع بعد محاولات شتّى

في تهدئة الخواطر الملتهبة، والإصغاء إلى حجج المتنازعين.

"إنّ الإنسان منذ القِدَمِ يعلّم الأجيال اتّخاذ النّملة قدوةً عُليا في حياتهم ومثالًا عظيمًا يُحتذى به في النّشاطِ والتّدبير، وفي المثابرة والإصرار، فكيف لنا أَن نُصدِّق بِأَنّنا بِتنا أعداءً لهم؟!! صاح صوتٌ معارضٌ.

ازداد الانشقاق بين العشيرة رغم حرصها الدّائم على الحفاظ على الوحدة من أجل ضمان بقائها وديمومتها بعيدًا عن الكوارث والنّازلاتِ.

راح النّزاع يتفاقم بين الأفراد، وبالرّغم ممّا أظهره زعماء العشيرة من سداد الحكمة ونفاذ البصيرة واتّضاح الصّورة، إلّا أنّهم اقتنعوا في سريرتهم بأَنّ لا مجال للتّخلّص من معالم النّازلة الّتي ألمّت بهم إلّا بالانتظار؛ فَكلُّ سرٍّ مآلُهُ إلى الظُّهور، وعندئذٍ سيُدرَك كنهُهُ الحقيقيُّ... وإِلى ذلك الحين لجأَ الزّعماء إلى مكانٍ يردّ إليهم السّلامة والطّمأْنينة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب