أما - يا بني - وقد عقدت النيّة على الاقتران بابنة الحلال، وإنشاء بيت يكون لك فيه قلعه تحميك من غوائل الزمان، ويكون لك فيه "مستراح" تريح فيه عظامك، وامرأة تكون لك مسكناً تأوي إليها، في ساعه يضحك لك الزمان أو يقسو عليك..
فقد عزمت أن أقدٍّم لك هذه النصائح، تكون لك مشاعل ترشدك الى برِّ الأمان:
النصيحة الأولى- خلّي البارود يولّع.!
في عرسك.. فرحك.. اطلب من المدعوين أن تكون هداياهم من ما يعطيه البارود وتغدقه المتفجرات من نعم الجاه والسلطان.. وإذا أشتعلت فلتشتعل وليتحوَّل العرس الى معركة كل شيء فيه "يفقع" وينفجر، وبذلك يزداد جاهك، ويعلو قدرك بين الناس، وتصبح سيرتك على كل لسان، مثلما فعل أحد أجدادك، حيث حوِّل عرس ابنه في زمن الانجليز، الى ساحه مبارزة في صيد الحمام البري. وكان ذلك العرس هو الساحة التي انطلقت منها أغنية (طير وهدّي يا حمام) وقد قيل- على ذمة الراوي- ان كميّة الحمام التي أنزلت، كانت كافية لوليمة العرس الذي حضره الآلاف من بلده والبلاد المجاورة..
ولا تخف ان يحدث لك، ما حدث لأحد أبناء أجدادك أثناء زفته، وهو يركب العبيَّة فرس العيلة الأصيلة، فأصيب برصاصة طائشة فخر قتيلا.. فأركبوا أخاه مكانه، واستمر العرس حسب برنامجه المقرَّر، وعندما أدخلوا العريس "المبدول" على ابنة عمه، التي لم تكن تعرف شيئاً عما حدث، أصابها الإغماء وطار عقلها. ولم انتهوا من الزفة خرجت جنازة أخيه الى مثواه الأخير. وأخذوا العروس الى مشفى الأمراض العقلية!
هذه نصيحتي الرصاصية لك - يا ولدي- فإنك إن أخذت بنصيحتي سوف أنام في قبري مستقبلاً الملاكيْن بالبارود. وإذا سألاني ما دينك: فسأقول لهم: أن "الطخ" ديني، والرشاش مذهبي، والكلاشنكوف محياي ومماتي.
/النصيحة الثانية – غنّ ولعلع وخلّي الدنيا تولع!
يا ولدي إجعل من عرسك ميداناً للغناء، وهديتي إليك هذه الأغنية: "ولك يا شايب الراس، واحنا بنوكل لحم الناس، واحنا أصحاب المروّي".
واطلب من الحادي ان يجعل من أبخل الناس حاتم الطائي بكرمه، مثلما فعل أحد أجدادك عندما مدح عمه، في إحدى الأفراح والليالي الملاح - أن ناره لا تنطفئ تحت قدوره الملأى باللحم والشحم، بالرغم من أنه كان في الحقيقة يطلب من زوجته، ان تفقس بيضتين لعشرة أنفار، ويغرقها بالزيت ويجلس بجانب ابنائه طالباً منهم ان يغمِّسوا أربع لقم بالزيت، والخامسة تداعب البيض المقلي. وكان يضع الصحن الفارغ أمام أمه العمياء، ويناولها رغيف الخبز، ويطلب منها ان "تغمِّس" من قاع الصحن الفارغ، مقتنعه بأن ابنها قد وضع لها فيه زيتا.
واطلب من الحادي ان يمدح حسب ونسب من ماتت أصوله قبل ان يولد، وأن يوصل نسبه الى بني هاشم أو الأمويين. واطلب منه أن يمدح العائلات، التي دفعت رشوة للوالي التركي، كي يأمر كاتبه برسم شجرة لعائلتهم يزيِّنها بأشجع الفرسان وأكرم الرجال، وان يمحو أصولهم التي تمتد الى مجاهل الصحارى.
/النصيحة الثالثة – كدِّس أمام المدعوين الشحم واللحم..
إذبح الشياه والإبل والعجول "وكوِّم" امام المدعوين، وليكن "هبره" كثير الدهن، وأولم الولائم والمناسف كي "تنسف" كل حاسد حسود، ولا بأس ان كنت قد استدنتها من الأصدقاء والأحباب والبنوك، فكل دائن سيصله حقه حتى ولو بعد "قرون" ، حيث تكون مضطراَ، أن تخفض لهم جناح الذل من الخجل وضيق ذات اليد. مثلما فعل جدك حاتم الطائي:
الذي قيل أنها كانت تربط بين أجدادك وأجداده علاقه حسب ونسب، عندما "أتلف" ماله في العطاء، وترك عائلته تعصب بطونها من الجوع، فوصفته امرأته بالمتلاف. ولكن اسمه ظل ساطعاً في تاريخنا على مدى الأجيال. فيبقى ذكرك طيِّباً في بطون الناس الى حين، "وتلوك" ألسنتهم سيرتك حتى يطلع فجر يوم جديد.
أما الأيام اللاحقة فستبقى ميداناً لحسرتك وندمك، ولكن لا تخف ولا تحزن فقد خُلقت للحسرات.. وهيهات ان تمحوها الولائم والمناسف..
إضافة تعقيب