*مع كل الألم الذي في الامر، صحيح حتى اليوم، فان هذا أهون الشرور في قائمة الخيارات التي كلها سيئة، أمر يقف خلفه نية صادقة للوصول الى تسوية*
الويل، الويل، من يصدق أن الفلسطينيين هم الذين اعلنوا عن وقف النار، هكذا باشر أمس في الصباح أحد المراسلين. واذا لم يكن هذا بكاف، اضاف، فانهم هم الذين بدأوا وهم الذين توقفوا. وبالترجمة الحرة: يا لنا من دولة اقزام، ليس فقط نمنحهم المجال لان يقرروا نقطة البدء بل ونسمح لهم ايضا ان يقرروا موقف النهاية.
في هذه المناسبة الاحتفالية اعيد في وسائل الاعلام ذكر الحقيقة الصاخبة في أن رئيس الموساد يوسي كوهن، الى جانب قائد المنطقة الجنوبية هيرتسي هليفي سافرا الى الدوحة كي يطلبا من القطريين ان يواصلوا ضخ الاموال النقدية الى غزة. ما صاغه رئيس أزرق أبيض بيني غانتس بأربع كلمات "هنية يهدد ونتنياهو يدفع"، صيغة زوده بها على أي حال أحد رجالات حملته. وبالمناسبة أوضح أيضا، "حين أكون رئيس الوزراء وغابي اشكنازي وزير الأمن سنعيد الاحباطات المركزة، واذا لم يكن مفر فسنخرج مرة اخرى الى حملة تعيد الردع، كذاك الذي تحقق في نهاية حملة الجرف الصامد".
على كل هذا وغيره، بما في ذلك القول ان هذا الوضع لا يمكن أن يستمر (والذي كان عدد المرات التي قيل فيها في مطارحنا يتنافس فقط مع كمية الصواريخ التي سقطت على الغلاف في العقد الاخير)، او التهديد بانه اذا كانت حاجة فسنحتل غزة وسنبقى هناك الى أن يصفى حكم حماس، لا يتبقى الا قول ثلاثة امور.
الامر الاول يتعلق في المصاف الاخير لحملة الانتخابات المنفلتة، الثالثة في عددها، ونوجد في ذروتها. حملة يوجد فيها، ظاهرا على الاقل، شرعية معينة للتطرف، ان لم نقل لاطلاق الشعارات. هذه ايام لا يمكن لرئيس الوزراء او لمنافسه ان يسمحا لنفسيهما بالاعتراف بان ليس لدى اسرائيل حل حقيقي للتصدي للتحدي الذي يشكله حكم حماس اجمالا، والفصائل الجهادية في غزة بخاصة عليها.
لا حل معياري، لا حل سحري ولا ابتكار حل لم يسبق أن جرب. تصفيات مركزة؟ غارات جوية؟ حملات اجتياحية؟ اغلاق المعابر، تقييد مجال الصيد؟ كل ذلك سبق أن جرب. وفي اطار ذلك دفعنا ايضا ثمنا دمويا رهيبا وجبينا ثمنا دمويا رهيبا. بكلمات اخرى، فان الأحاديث عن حل في المدى المنظور ليست اكثر من وعود عابثة.
الموضوع الثاني يتعلق بسياسة الاحتواء التي تنفذها اسرائيل عمليا. مع كل الالم الذي في الامر، صحيح حتى اليوم، فان هذا أهون الشرور في قائمة الخيارات التي كلها سيئة، أمر يقف خلفه نية صادقة للوصول الى تسوية. بالمال الذي تسمح اسرائيل بإدخاله الى القطاع، مثلا، حتى تحت وابل الصواريخ، يكمن احتمال، حتى وان كان صغيرا، لتحسين جودة حياة مليوني نسمة يعيشون هناك. نحن لسنا المذنبين الحصريين بالمعاناة المتواصلة لسكان القطاع، ولكننا لا يمكننا أيضا أن نسمح لأنفسنا أن نتجاهله.
وهنا يأتي الموضوع الثالث. في الدولة السليمة يكون رئيس الوزراء هو المسؤول. الجيش يمكنه أن يشير، ويجب عليه أن يفعل ذلك، والكابينيت يمكنه أن يعرب عن رأيه، ولكن الرجل المقرر هو رئيس الوزراء. وعليه، فإلى جانب التقدير لقدرة نتنياهو على منع التصعيد، فان خيبة الامل الكبرى هي حقيقة أنه في اثناء الـ 11 سنة من حكمه لم ينجح في أن يبادر ويتصدر خطوات دراماتيكية لتغيير الوضع. ان لم يكن بالفعل، فبالوعي.
ليحررنا أخيرا من الامل البائس في أن ننجح في أن نقرر للغزيين من يترأسهم؛ ان ننجح، اذا كنا سمحنا فقط للجيش الاسرائيلي بأن ينتصر، في تنظيف القطاع من مخزونات الوسائل القتالية وتصفية منظمات الارهاب التي تعمل ضدنا.
لم ينجح في استنفاد الامكانيات، مهما كانت صغيرة، للوصول الى تسوية سياسية طويلة المدى. الاعتراف بان حماس هي الجهة التي علينا ان نتحدث معها، مباشرة أو بشكل غير مباشر. الموافقة على أخذ المخاطرة والثقة بالفرصة الكامنة في اقتراح مثل ذاك الذي بادر له في حينه الوزير اسرائيل كاتس.
القول علنا ان ترتيبات الامن التي نتفوق فيها لم تنتج الهدوء المرجو، نعم، ولا حتى الجرف الصامد، وربما بالذات الموافقة على اقامة جزيرة اصطناعية تسمح للغزيين بالاتصال بالعالم ليس عبر معابر الحدود التي نتحكم بها قد تحرك الامور. حتى لو كان الامر يتعلق بفكرة غير واقعية في نظر من لا يؤمنون الا بمزيد من القوة، والقاء المزيد من القذائف، الاحباطات، التجويع، التعطيش – سننجح في حل ما لم نحله منذ الانسحاب في 2005.
وهذا ما لم يفعله نتنياهو. كما أنه لا يعد اليوم بان يفعله. وهكذا فانه هو وكذا بيني الذي يعد بإعادة الردع لا يعرضان علينا الا المزيد من الامر ذاته، ولسنوات كثيرة الى الامام.
يديعوت أحرنوت- 26/2/2020
إضافة تعقيب