نقلها للعربيّة: ولاء حايك - ترجمة حصريّة ل "الاتحاد"
ان اليمين الشعبوي بنى قوّته الانتخابية على ثقة صاخبة بالنفس ومتغطرسة. مع ذلك, في ظل وباء الكورونا, يبدو الإرتباك جليًّا على شخصيات امثال دونالد ترامب, بوريس جونسون وجايير بولسونارو. فإمّا انهم يتشبثون بشكل يائس برواية الفيروس العادي (ليس سوى انفلونزا)، وإما انهم قد أجبروا على الدوران الى الخلف، بشكل محرج، إدراكا إعترافًا بثقل ووقع الأزمة.
لقد تخلّي بوريس جونسون عن استراتيجية "مناعة القطيع" الحكوميّة، وذلك عندما أكد دليل علمي الثمن المرعب الذي ستكلفه للبشريّة. لقد شخص مؤخرًا كحامل للفيروس وهو متهم الان بالثقة الزائدة-غير المبررة بالنفس بالإضافة الى الافتقار للقيادة. في ايطاليا، يبدو التشاؤم على ماتيو سالفيني، قائد حزب عصبة اليمين المتطرف والنائب السابق لرئيس الوزراء، غير قادر على أداء دور رجل الدولة المسؤول الذي تقتضيه هذه الحالة الطارئة؛ وانتقاده قليل الحياء للحكومة أكسبته لقب عديم الوطنية. في فرنسا، يبدو أن ماري لا بن اختفت تمامًا عن أنظار الإعلام، في حين أن إصرار بولسونارو على إنكار الأزمة يتركه أعزلًا شيئًا فشيئًا.
في الولايات المتحدة, استراتيجية ترامب كانت متعرّجة. بعد أسابيع من الاستهتار بخطورة الفيروس، أجبر على إعلان حالة طوارئ وطنية. بعد تراجعه الأسبوع الماضي، عن اعتقاده أن العزل المنزلي سينتهي مع حلول الفصح لتفادي إلحاق الضرر بالاقتصاد، اعترف متراجعًا الان ان على سياسة العزل البقاء حتى نهاية شهر نيسان.
صحيح ان تقييمات موافقة الأمريكيين على عمله قد ارتفعت، كما ان تقييمات الموافقة للرئيس بوش الابن قد ارتفعت بعد أحداث 11 سبتمبر. إلا أن ترامب قلق بدون شك حول العواقب الانتخابية لتعداد موتى هائل إبان الوباء، بالإضافة لركود إقتصادي قد يتسبب بنسبة بطالة تصل ال20%.
ان الصعوبات التي يواجهها اليمينيون الشعبويون غير مفاجئة كونهم ليسوا أصدقاء للقضايا الموجودة في لبّ الأزمة: الصحة، الرّفاه والعلم. على صعيد الصحة، تكشف الأزمة حماقة عقود من نقص التمويل وخصخصة النظام الصحي. سيكون على ترامب, جونسون وسالفيني مواجهة أسئلة محرجة بما يتعلّق بسجلّهم كأعداء لنظام الصحة العام. علاوةً على ذلك، ان الأزمة تدعو الى تغيير هائل بالسياسة الاقتصادية، الأمر الذي يتناقض والفكر القومي الشعبوي الذي يدمج بين التعصّب الشوفيني على الصعيد الحضاري والسياسات النيوليبرالية المتطرفة على الصعيد الاقتصادي.
ان الحاجة الفاضحة لحماية الدولة لقطاعات صناعية استراتيجية، ابتداءً من صناعات الأجهزة الطبية والصيدليّة، ليست لعنة بالنسبة للقوميين-الشعبويين الذين قاموا باحتضان سياسات حماية التجارة مسبقًا. بل إن المرفوضة على هؤلاء هي سياسات الرّفاه التي تتحوّل الى حاجة ملحّة من أجل تفادي كارئة اجتماعية. بعد أن لَقّبوا مرارًا هذه السياسات بال "خطيرة" و"غير وطنية"، يجد هؤلاء السياسيون أنفسهم في موقف حرج حيث يضطرّون أن يتبنّوها!
إن استخفاف الوطنيين-الشعبويين بالعلم, لهي مشكلة أخرى. ان حالة الطوارئ المصاحبة لفيروس الكورونا تجابهنا بخطر يتهددنا والذي من الأفضل أن نتداركه بمنظور علميّ. علماء الأوبئة والفيروسات اجتاحوا وسائل الإعلام مع متابعة العامّة/الجمهور لتوصياتهم. ليس واضحًا فيما اذا سيقود هذا الأمر لزيادة الثقة بالعلم وتلاشي التوجهات المعادية للعلم التي يتغزّل بها قادة القوميين الشعبويين. بأي حال، يمكن التوقّع ان المواطنين سيأخذون على محمل الجدّ اكثر من ذي قبل تلك المخاطر التي ينبّه منها العلماء، بما في ذلك أزمة المناخ الطارئة، التي بإمكانها ايضًا ان تفاقم انتشار الأمراض.
ان القوميين-الشعبويين معروفين بتأجيج مخاوف الجماهير. ولكن المخاوف المنتشرة اليوم ليست من النوع الموجود ضمن مؤهلات هؤلاء القادة القدرة على استغلالها. بسبب التداعيات الصحية والاقتصادية الملحّة والعاجلة، وقعت قضية الهجرة – وهي العدو الرئيس لليمين – في سلّم الأولويّات. بالإضافة لقوانين حظر السفر, كون الولايات المتحدة واوروبا محطّ الأنظار الحالي بما يتعلّق بالوباء، يقود لهجرة أقل لهذه البلاد. حتى انه في الواقع، اننا نشهد انعطافًا تاريخيًّا، حيث تسعى المكسيك الى إغلاق حدودها مع الولايات المتحدة، الدول الأفريقية تعلّق الطيران من أوروبا، وفي حين ان فلّاحي بريطانيا ينظمون طائرات مستأجرة لنقل عمّال من أوروبا الشرقية لحماية الفواكه والخضار من الفساد. مع ذلك، اذا أسفرت الأزمة الاقتصادية عن موجة هجرة جديدة كتلك التي حدثت في ال2015, سيتغيّر السيناريو المذكور بشكل كبير – سيحاول الوطنيون الشعبويون شرعنة روايتهم بشأن خطورة العولمة بجميع اتجاهاتها وأشكالها.
اذا كانت أزمة الكورونا شوّشت لحظيًّا اليمين الشعبوي، هذا الأمر لا يعني هزيمته. سيكون من المضلل لليسار الظنّ بأن هذه الأزمة ستلعب لصالحه. فستتلو الأزمة الصحية أزمة اقتصادية عميقة مشابهة للكساد الاقتصادي الكبير (سنة 1929) اكثر من تشابهها مع أزمة ال2008 الاقتصادية، وإن اليمين الشعبوي قد أظهر قدرته على افتراس واستغلال اليأس الناتج عن أزمات اقتصادية كهذه. ومن المتوقع تعامل اليمين بشكل مشابه مع الأزمة بنفس الطريقة, ان لم تكن حتى أكثر شراسة.
ان الإجراءات الإستبدادية/الدكتاتورية التي قام بها فيكتور أوربان في هنغاريا, كتعليق/تعطيل عمل البرلمان وتشكيل الحكومة بمرسوم (الحكم بمرسوم – هي طريقة حكم تسمح للحاكم الفرد بإستصدار قرارات بدون موافقة السلطة التشريعية – البرلمان) ممكن أن تكون سابقة وبداية لمرحلة قادمة. في ايطاليا, لم يكن لدى سالفيني أي مشكلة او تأنيب ضمير في دعمه لخطوة أوربان. من المرجح ايضًا أن نرى تفاقم في الخطاب المناهض للصين. لم يتوانى ترامب عن تسمية وباء الكورونا (او بإسمه العلمي COVID-19) "الفيروس الصيني"، في حين ان ستيف بانون يطلق الادعاء ان فيروس الكورونا هو "فيروس الحزب الشيوعي الصيني". صرّح سالفيني أنه "اذا كانت الحكومة الصينية على دراية [بشأن الفايروس] ولم تعلنها للعلن، فإنها قد ارتكبت جريمةً ضد الإنسانية". و يتبنون حلفاؤه في البرازيل وإسبانيا سطرًا مشابهًا.
عند النظر للعلاقات بين القوميين-الشعبويين، بما في ذلك محاولتهم الفاشلة في تأسيس قومية دولية تحت رعاية حركة "بانون"، لا يمكن اعتبار هذا التزامن محض صدفة. لديها كل النظرة الاستراتيجية المنسقة لتصويب الغضب واليأس الناجمين عن الخسائر البشرية والاقتصادية الوحشية للأزمة تجاه عدو عنصري وأيديولوجي تم تحديده بسهولة متمثلًا بالحكومة الصينية. جميع المنافسين سيتمّ تشويه سمعتهم ووصفهم "بحلفاء الصين" ومع كلّ من قام بالإعلان عن نفسه كاشتراكيّ، المرشّح لرئاسة الولايات المتحدة جو بيدن قد صنّف منذ الآن "الاختيار الصيني للرئاسة" بنظر المحافظين الوطنيين.
قد يكون ما ينتظرنا في المخزون أسوأ بكثير من اليمين الشعبوي الذي عرفناه في العقد الأخير منذ العام 2010: سنحصل على يمين متطرّف لن يتردد باستعمال كافّة ذخيرة "الشبح الأحمر" والاستبداد اليمينيّ من أجل بث الرعب بين المعارضين والوقوف بطريق مطالبه باقتصاد يعتمد على إعادة التوزيع بشكل حقيقي. ومن اعتقد انّه يقف مضطربًا امام هذا التحوّل، فان اليمين الشعبوي لم يخضع، بل يقوم فقط بإكمال تحوّله.
*باولو جيرباودو – منظّر سياسي ومؤلّف في مركز الثقافة الرقميّة في كليّة كينغ في لندن
إضافة تعقيب