*بنود الاتفاق النووي مع ايران لا تسمح لها بتخصيب كميات كبيرة من اليورانيوم. وفعليا هذه البنود هي التي أبعدتها عن "نقطة الانطلاق النووية". والتخوف الذي عبر عنه كوخافي من خرق الاتفاق ودخول السلاح النووي الى الشرق الاوسط، يرتبط بدرجة كبيرة بسياسة ترامب*
الاتفاق النووي الذي وقع مع ايران في 2015 هو اتفاق ليس على أكمل وجه. يوجد فيه مجال للتحليل، هو لا يتطرق الى برنامج الصواريخ البالستية لايران، ولا توجد فيه أوامر مفصلة تقول بأنه يجب على ايران التوقف عن تصدير الارهاب ودعم التنظيمات الارهابية. ولكن بين هذه التحفظات وبين اقوال رئيس الاركان افيف كوخافي بأن "الاتفاق سيء استراتيجيا وعمليا"، يوجد فرق كبير.
تحليل كوخافي يستند الى ثلاثة عوامل: لو أنه تم تطبيقه، لكان الاتفاق سيمكن ايران من التوصل الى القنبلة النووية وتخصيب كميات من اليورانيوم وتطوير اجهزة الطرد المركزي. أيضا الاتفاق كان يمكن أن يؤدي الى التسلح النووي في الشرق الاوسط.
ليس من نافل القول تذكير رئيس الاركان بأن الاتفاق تم تطبيقه في السابق. فبعد توقيعه وخلال سنتين بعد أن دخل الى حيز التنفيذ، أبلغت الوكالة الدولية للطاقة النووية بأن ايران التزمت بجميع القيود التي فرضها عليها الاتفاق.
إن ما قالته الوكالة الدولية للطاقة النووية يتساوق مع تقديرات جهات استخبارية امريكية واسرائيلية. ايران بدأت بخرق الاتفاق بصورة محسوبة فقط بعد سنة من انسحاب الولايات المتحدة منه، ومع كل خرق أوضحت بأنه اذا عادت الولايات المتحدة الى الاتفاق فهي ايضا ستعود الى الالتزام بجميع بنوده. المفارقة هي أن خرق ايران للاتفاق استهدف جعل الدولة الاوروبية تضغط على دونالد ترامب من اجل التراجع عن قراره الانسحاب من الاتفاق، بعد أن كان الغرب، على مدى سنوات، هو الذي سعى وراء ايران.
ايران بدأت في رؤية بوادر الثمار الاقتصادية للاتفاق. دول وشركات دولية وقعت معها على صفقات لاستثمارات وتسويق منتجاتها، والتنقيب عن النفط واعادة تأهيل البنى التحتية فيها. لم تكن لايران أي مصلحة في خرق الاتفاق الذي استهدف تحريرها من الضغوط الاقتصادية الثقيلة، ولا يمكن التقرير بأثر رجعي بأنها كانت ستخرق الاتفاق في الوقت الذي كانت ستتعافى فيه اقتصاديا، لا سيما على خلفية العقوبات التي كانت تنتظرها في حالة الخرق.
ايضا الاتفاق النووي لا يسمح لايران بتخصيب كمية غير محدودة من اليورانيوم. فبنود الاتفاق تقيد بصورة دراماتيكية كمية اليورانيوم وبالاساس نوعيته. والاتفاق يسمح لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة النووية الصلاحية بزيارة والرقابة على تخصيب اليورانيوم مدة 25 سنة من لحظة التوقيع عليه. وينص ايضا على أن ايران لا يمكنها تخصيب اليورانيوم بمستوى يزيد على 3.67 في المئة خلال 15 سنة. وهو مستوى تم الحفاظ عليه لغاية البحث والعلاج ولا يشكل الاساس لانتاج السلاح النووي.
اضافة الى ذلك، حسب الاتفاق الوكالة الدولية للطاقة النووية يمكنها فحص اجهزة الطرد المركزي، التي تم تقليص عددها بصورة واضحة، مدة عشرين سنة، واستخدام وسائل رقابة متطورة واختراقية مدة 15 سنة. ملحقات الاتفاق تقيد كمية المياه الثقيلة التي تستطيع ايران شراءها أو انتاجها، وتلزمها بتحويل فائض المياه الثقيلة الى دولة متفق عليها.
بنود كثيرة تنص على سلسلة من المحظورات على اجراء تجارب بواسطة اليورانيوم أو البلوتونيوم، وتجبرها على اعادة تشكيل المفاعل النووي في أراك بحيث لا تستطيع أن تنتج مواد تتجاوز القيود. الاتفاق يغطي 159 صفحة، ويتناول تفاصيل التفاصيل التي حدد فيها ليس فقط نوع اجهزة الطرد المركزي التي تستطيع ايران تشغيلها، بل ايضا طريقة استخدامها، وأين سيتم تخزين الزائد منها وما هي المواصفات التقنية لكل جهاز منها.
لذلك، ليس من الواضح الى ماذا استند رئيس الاركان عندما قرر بأن الاتفاق سيمكن ايران من تخصيب كميات من اليورانيوم، أو أنها تستطيع في ظل الرقابة المتشددة انتاج قنبلة نووية. ايضا ادعاءه الثاني الذي يقول بأن الاتفاق النووي يمكن أن يجر المنطقة الى التنوي (الحصول على السلاح النووي)، لا يستند الى الحقائق.
في آذار 2018 هز ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الساحة الاقليمية عندما صرح بأنه اذا اصبحت لايران قنبلة نووية فان السعودية ستسير في اعقابها. كما يبدو هذا التهديد كان يمكن أن يكون مثابة تأكيد على نظرية التنوي العربي. ولكن هناك بعد كبير بين تصريح السعودية وبين قدرتها على انتاج القنبلة أو حتى تخصيب اليورانيوم.
الأمر المهم هو أنه بعد بضعة اشهر على هذا التصريح نشر أن ترامب قد صادق مرتين على نقل تكنولوجيا نووية للسعودية. أي أنه اذا كان هناك تخوف من أن السعودية تخطط لأن تصبح نووية فان الادعاء كان يجب أن يكون موجه لترامب وليس لايران. باستثناء هذه التصريحات، لم تعلن أي دولة عربية عن نيتها أو تطلعها لتطوير برنامج نووي عسكري.
والدولة التي أوضحت طموحاتها في هذا المجال هي تركيا، التي حسب عدة تقارير مصدرها في الهند، فانها تتعاون مع باكستان بهدف شراء أو تطوير معها قدرة نووية عسكرية. واذا كانت هناك نية كهذه لتركيا - التي لم يتم العثور بعد على دلائل عليها – فهي غير مرتبطة بالاتفاق النووي مع ايران، بل بطموحات اردوغان. ويمكن التقدير بأنه اذا كانت الدول العربية، بما في ذلك الاعضاء في التحالف المناهض لايران، تعتبر الاتفاق النووي مع ايران ذريعة مشروعة لتطوير السلاح النووي، فان هذه الدول لم تكن لتنتظر.
المسألة الرئيسية في موضوع المشروع النووي الايراني لا تكمن في صيغة الاتفاق، بل في نوايا ايران التي يريد الاتفاق تحييدها. الافتراض الذي كان يقف من وراء الاتفاق هو أنه لا يمكن الوثوق بالنوايا الحسنة للقيادة الايرانية أو بتصريحاتها القائلة بأن "السلاح النووي مخالف للاسلام".
الهدف كان خلق فترة زمنية طويلة بقدر الامكان بين قدرتها النووية عشية التوقيع على الاتفاق وحتى ما يسمى "نقطة الانطلاق النووية"، الموعد الذي فيه تستطيع ايران انتاج القنبلة النووية. التقدير كان أن ايران بحاجة الى بضعة اشهر من اجل انتاج هذه القنبلة، في حين أنه بعد الاتفاق، حسب التحليل المحافظ، فان نقطة الزمن هذه ابتعدت على الاقل مدة سنة، بالاساس بعد أن نفذت ايران شروط الاتفاق وقلصت قدرات التخصيب. بالضبط بدون الاتفاق وعلى فرض أن ايران حقا تسعى الى انتاج السلاح النووي، ربما أن هذا الامر كان في حينه في أيديها.
ايران كذبت وخدعت العرب على مدى سنوات، وكل اتفاق معها لا يمكن أن يستند الى مصافحة وكلمة شرف. ولكن من يطالب بتشديد الضغط على ايران والتمسك بالعقوبات الخانقة الى أن توقع على اتفاق جديد، بشروط وقيود جديدة، يقول إنه مستعد لتصديق أنها ستنفذ الاتفاق الجديد أو أي اتفاق سيوقع معها. هذا الاستنتاج يثير سؤال لماذا لا يتم تنفيذ الاتفاق النووي كما هو، ومواصلة التفاوض المنفصل مع ايران حول المسائل الاخرى التي تقلق اسرائيل والعالم.
هآرتس- 28/1/2021
إضافة تعقيب