المقارنة مع احداث سابقة مرعبة هي أمر مرغوب فيه، بل هي أمر مطلوب. فكيف يمكن أن نشاهد كل ما نشهده من ممارسات ضد الفلسطينيين، تشبه الممارسات ضد اليهود، وأن لا نصاب بالذعر وأن لا نقارن
هل يجب علينا المقارنة؟ نعم. يجب علينا المقارنة. مسموح. حتى أنه أمر مطلوب. في الواقع من الواجب حقا المقارنة. من اجل أن نتعلم، نوثق ونربي، كي نتذكر ونحذر. وبالاساس من أجل أن نشخص قبل فوات الاوان أي شيء صغير من اعراض مرض واحد، يكاد يكون غير قابل للشفاء، يهدد كل شخص وكل مجتمع انساني. مرض نحن غير محصنين منه، لكن مثل امراض صعبة اخرى، الكشف المبكر عنه يمكن أن يساعد على الشفاء منه، ومن اجل ذلك يجب المقارنة.
لا توجد أي جدوى للانشغال بالمقارنات الشخصية. لا اساس لها. هي مقارنات مبالغ فيها وضارة. بيبي ليس هتلر، اوحانا ليس هيملر، ريغف ليست غوبلس، كاتس ليس شبئار، وغسان عليان (رئيس الادارة المدنية) ليس هانس فرانك. ولكن اجراءات وظواهر واعراض تدهور يجب فحصها بعناية ومقارنتها، من اجل أن نشخص بالضبط الى أين وصل المرض.
عندما يطلب حاخامات وكهنة بشكل علني عدم الشراء من العرب وعدم تأجير الشقق لهم ومنعهم من دخول برك السباحة. ويطلبون عدم الزواج منهم وعدم اللهو معهم، هذه هي اللحظة التي يجب علينا فيها أن نتذكر وأن نصاب بالذعر وأن نقارن.
عندما نصعب على غير العرب شراء الاراضي، عندما البلاد كلها مكتظة بمئات البلدات المغلقة أمام الفلسطينيين، عندما يكون مليوني شخص مسجونين منذ 14 سنة في غيتو محاط بالجدران، عندما عضو كنيست يطلب الفصل بين الولادات اليهوديات والولادات العربيات، عندما تقوم عصابات حراس طهارة الدم بالتنكيل بـ "المندمجين"، عندما يؤيد المرشح لادارة "يد واسم" طرد جماهير أبناء شعب معين... هذه هي اللحظة كي نتذكر ونصاب بالذعر ونقوم بالمقارنة.
اجل، يجب علينا المقارنة. هذه هي احكام النازيين ضد اليهود. مع متنمريهم الذين صرخوا في الشوارع "أيها الالمان، قوموا بحماية انفسكم!، لا تقوموا بالشراء من اليهود"، مع فرسان "طهارة العرق" الذين جروا في الشوارع ازواج "المندمجين". مع قوانين المواطنة، القومية، الدم، الكرامة والعلم، التي تم سنها في نيرنبيرغ.
و"مشروع الاستيطان"؟ نفس المزيج من اللا مبالاة والشر، الديكتاتورية العسكرية والصلاح السماوي، تنمر المذابح والنهم الريفي. نفس عالم الابرتهايد الذي توجد فيه اقلية متغطرسة ومدللة ومرعية من قبل جيش خاص بها توجد له امكانيات مالية ضخمة، يسيطر على اغلبية كبيرة من المسحوقين الذين لا توجد لهم أي مكانة أو أي حقوق، املاكهم مباحة، دماءهم مباحة، اهانة، تنمر، سلب، تدمير وتخويف، كل ذلك هو روتين يومي. كل هذا من اجل هدف واحد غير مخفي: تنغيص حياتهم الى أن يذهبوا أخيرا في مهب الريح ويتركوا وراءهم بلادهم نقية الدم والدين.
هل يمكن أن نشاهد كل ذلك وأن لا نتذكر ونقارن؟ أن نقارن مع الادارة العامة التي اقامها الالمان لمجد "مشروعهم الاستيطاني" في المناطق الشرقية المحتلة. أن نقارن مع روتين التنمر الوحشي ضد اليهود من اجل أن يغادروا في النهاية وأن يتركوا الرايخ الآري نقي العرق. وأن نقارن مع "مكتب هجرة اليهود" الذي اقامه النازيون من اجل تنظيم "ترانسفير طوعي" لليهود.
وماذا عن السلطة؟ برلمان يقوم بخصي نفسه طوعا. قيادة تطالب لنفسها بصلاحيات عليا وحصانة عليا. سيطرة على أدوات أوامر الطوارئ. نظام قضائي تطهيري. قوانين اساس (ظاهريا بنود دستور) تتحول الى مادة ناعمة يتم فيها دهن الثقوب السياسية. هل يمكن أن لا نتذكر وأن نقارن مع الايام الاخيرة لجمهورية فايمار؟
لا، لا يمكن. يمكن فقط للمرء أن يرتجف وأن يحاول أن يفهم كيف وصلنا، بربكم، الى حيث وصلنا، وكيف بحق الجحيم، سنخرج من ذلك. المقارنات ربما ستساعد. لهذا، كلما اكثرنا من المقارنات سيكون هذا مبارك.
إضافة تعقيب