news-details

هذا ليس ابرتهايد، بل أسوأ

ليف غرينبرغ

هآرتس- 23/2/2022

 

مفهوم الابرتهايد يحرف الانتباه عن نجاح نظام التفوق اليهودي في الفصل بين الفلسطينيين ومنعهم من النضال المشترك

 

 

تقرير منظمة "امنستي انترناشيونال" فاتته كلمة واحدة هي كلمة ابرتهايد. الاشخاص الذين لم يقرأوا التقرير يقومون بادانته كـ "لا سامي" في اسوأ الحالات، أو على الاقل ليس له أي اساس مقابل جنوب افريقيا. وحتى من يؤيدون ادانة اسرائيل ويعتبرونها دولة فصل عنصري لا يجب عليهم قراءة التقرير، لأن تقريبا كل ما كتب فيه هو معروف ومعلوم بالنسبة لنا.

المشكلة في مفهوم "ابرتهايد" ليست في أنه يمنع تقريبا وبشكل مؤكد قراءة هذا التقرير المهم والمفصل، بل هو يغلق النقاش حول النظام في دولة اسرائيل المليء بالتفرقة. إذا اردنا معرفة ما يحدث هنا فنحن نحتاج الى تمييز دقيق، وليس الى وضع شيء واحد عنوانه التمييز ضد الفلسطينيين. لأن النجاح في سيطرة اسرائيل على الفلسطينيين يقوم على عمليات الفصل المادية وعدد من انظمة الفصل والقمع.

صحيح أن الخط الاخضر غير موجود من ناحية اليهود، لكن ذلك ليس من ناحية الفلسطينيين. الفلسطينيون في الضفة الغربية كانوا يريدون أن يستفيدوا من حقوق المواطن والحقوق السياسية مثل الذين يُسمون "عرب اسرائيل"، رغم نظام الفصل والتمييز الهيكلي في الدولة اليهودية. لا يوجد أي فلسطيني من مواطني اسرائيل على استعداد لنقل قريته الى الضفة، التي تقع تحت نظام عسكري يشبه ما كان عندما كانوا يعيشون هنا في 1948 وحتى 1967.

هاكم سر نجاح نظام التمييز في اسرائيل. ابرتهايد متطور، إذا شئتم، لكنه ليس نظام موحد. أنا لا اعارض استخدام مفهوم ابرتهايد من اجل اظهار قوة القمع وعدم القانونية الدولية للنظام في اسرائيل، بل أنا اعتقد أنه يخطئ في تحقيق الهدف السياسي الرئيسي، وهو فهم الواقع الذي هو الشرط الاول لإصلاحه. النظام في اسرائيل ينجح في فصل الفلسطينيين والسيطرة عليهم بشكل ناجع جدا أكثر من نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا في حينه.

إذا كان الفصل العنصري هناك قد خلق وحدة السود ومطالبة سياسية بالمساواة، "صوت واحد لكل شخص"، فإن نظام التفوق اليهودي والتمييز المتدرج يقسم الفلسطينيين جدا الى درجة أنه لا يمكنهم تشكيل مؤتمر وطني يجمع الفلسطينيين المتواجدين داخل اسرائيل وشرقي القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان. ما الذي كانوا سيفعلونه بأيمن عودة أو منصور عباس إذا شارك أي منهما في مؤتمر وطني كهذا؟

لكن من ينكرون مظاهر الابرتهايد المتطور يقولون إنه لا يوجد هنا تمييز عنصري، بل "نزاع قومي". اذا كان النزاع هو نزاع قومي فلماذا الفلسطينيين المتواجدين تحت انظمة سيطرة مختلفة عن بعضها لا يمكنهم تشكيل مؤتمر وطني. صحيح أن الأمر لا يتعلق بتمييز على اساس عرقي، لكن الحديث لا يدور ايضا عن مجرد نزاع قومي.

على أي حال، الحديث يدور عن صراع بين مستوطنين وسكان أصليين، وهدف المستوطنين هو محو الوجود المادي والهوية الجماعية للسكان الاصليين من اجل السيطرة اكثر فأكثر على الارض. "شعب بدون ارض لأرض بدون شعب"، اطلقوا على ذلك، وهو شعار عبر عن الطبيعة التي فيها حاولت الصهيونية القيام بعمليتين في نفس الوقت: تشكيل اليهود على اعتبار أنهم شعب- قومية، وتجريد السكان الاصليين من هويتهم المشتركة.

خلافا لجنوب افريقيا، التي فيها ارادوا الحفاظ على السود من اجل أن يتم استخدامهم كعمال رخيصين ومحرومين من الحقوق، فان المشروع الصهيوني هو مشروع استيطاني وكولونيالي، مثل استيطان الانجليز في امريكا الشمالية وفي استراليا.

حتى العام 1967 لم يرغبوا في قوة عمل السكان الاصليين، بل اراضيهم. ولكن حتى العام 1948 تمكنت الهوية الوطنية الفلسطينية من التبلور في اعقاب معارضتهم لجهود طردهم الى الخارج. منذ الطرد والهرب اثناء الحرب فان النظام الاسرائيلي ينشغل بالفصل الجسدي بين اليهود والعرب و"فرق تسد" بين العرب من اجل تعزيز السيطرة والحفاظ على نظام فيه حقوق زائدة لليهود.

صحيح أنه رغم الفصل والقمع والتمييز إلا أن وضع المواطنين العرب في اسرائيل هو أفضل من وضع السود في نظام الابرتهايد. ولكن وضع الفلسطينيين في الضفة وفي غزة هو اسوأ مما كان في الابرتهايد. واقع الفلسطينيين في القطاع هو واقع سجن كبير والحق الذي تأخذه اسرائيل لنفسها، القصف من الجو وقتل المدنيين، لم يأخذه البيض في جنوب افريقيا من اجل قمع السود الذين يعارضون الابرتهايد.

في الابرتهايد المتطور يوجد فصل بين انواع الفلسطينيين: احدى المجموعات في وضع أفضل نسبيا، والمجموعات الاخرى تعيش تحت انظمة قمع في كل انواع الدرجات، اسوأ مما استخدم ضد السود في نظام الابرتهايد.

 

مشكلة مصطلح أبرتهايد

 

هذه هي المشكلة في استخدام مفهوم ابرتهايد. فهو يطمس الفروق ويبهت نجاح اسرائيل في أن تفرق وتسود أكثر. هذه الادانة هي الادانة المتاحة الاشد، لكنها لا تمكن من فهم لماذا هذا القمع ينجح بشكل كبير. حسب تحليلي فان النظام الحالي اسوأ من الابرتهايد، لأنه لا يمكن الفلسطينيين من النضال معا من اجل هدف مشترك. خمس مجموعات منفصلة من الفلسطينيين تخضع لانظمة تمييز مختلفة عن بعضها، ويوجد لها اهداف سياسية مختلفة.

فداخل حدود 1967 الطلب هو المساواة، وفي الضفة الغربية الطلب هو دولة مستقلة، وفي قطاع غزة الطلب هو رفع الحصار. اللاجئون يطلبون حق العودة. والفلسطينيون في شرقي القدس مشوشون، هم لديهم حرية حركة وحقوق اجتماعية مثل مواطني اسرائيل الآخرين، لكنهم محرومون من الجنسية مثل الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومثلهم يتعرضون لتهديد الطرد من بيوتهم وهجمات المستوطنين والقتل التعسفي. هم لا يتجرؤون على التصويت للبلدية، وفي المقابل هم يتجرؤون على مهاجمة الجنود وتعريض حياتهم لخطر الموت في طرفة عين دون أي دفاع أو محاكمة.

اذا كان الامر هكذا فما هو المشترك بينهم؟ ماذا يمكن أن نسمي هذا النظام الذي نجح في فعل ما لم ينجح البيض في جنوب افريقيا في فعله؟ المشترك هو أنه في كل مكان بين النهر والبحر وخارج حدود البلاد ايضا توجد لليهود حقوق أكثر مما يوجد للسكان الاصليين. النظام هو نظام تفوق يهودي.

لكن الفجوة ليست واحدة. فالحقوق الزائدة لليهود في الضفة هي اكثر من حقوق اليهود داخل اسرائيل؛ يوجد لليهود في غزة، بواسطة الجيش، سيطرة كاملة على ما ومن يدخل وما ومن يخرج. وخارج حدود اسرائيل نظام التفوق بارز اكثر: محظور على احفاد الفلسطينيين الذين عاشوا هنا مئات السنين العودة الى البلاد أو الحصول على تعويضات عن املاكهم، في حين أنه لكل يهودي ليست له علاقة فعلية مع البلاد، باستثناء الصلاة والاعياد في افضل الحالات، يوجد له الحق الكامل في الحصول على الفور على الجنسية الاسرائيلية والدعم الاقتصادي من الحكومة.

هذا هو اذا النظام الفريد الذي قام في البلاد في اعقاب تطور تاريخي خاص يختلف عما كان في اماكن اخرى. ويختلف ايضا عن حلم المؤسسين في اقامة مجتمع يهودي اخلاقي يكون نموذج للاغيار. هذا النظام هو ظلامي ويخلق التمييز والكراهية حتى بين اليهود، نظام لا حدود له وليس لديه قدرة على وقف الدافع القومي المتطرف – العنصري عن مواصلة طرد الشعب الاصلي الى الخارج.

مفهوم الابرتهايد يدفعنا الى اجراء نقاش دلالي لا فائدة منه، ويحرف الانتباه عن نظام التفوق اليهودي، الذي يستحق كل ادانة وهو بحاجة الى تغيير راديكالي. الحل للابرتهايد في جنوب افريقيا كان حل بسيط وهو المساواة في الحقوق لجميع المواطنين. حل مشابه لا ينفع هنا لأنه بعيد عن أن يتعامل مع تعقيدات نظام التفوق اليهودي.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب