news-details

بعد تدمير منزلي في مدينة غزة: بيوتنا أوطاننا الصغرى، لخسارتها لوعة لا يمكن نسيانها | د. وجيه ابو ظريفة

ما ان تراجعت الدبابات الإسرائيلية لخطوات خارج الأحياء السكنية لمدينة غزة حتى اكتشفنا، كما اكتشف عشرات ألوف المواطنين، قصف منزلي في المدينة وتدميره من قبل الاحتلال، ليسري الخبر في النفس كتيار كهربائي يصعق الروح بمنتهى الوجع، ويترك غصة في القلب لا يمكن وصفها، فبيوتنا هي اوطاننا الصغرى ولفقدانها لوعة لا يمكن نسيانها.

على مدار ٨٠ يوما من العدوان الإسرائيلي، ننتظر بكل أمل أن العدوان سينتهي مكتفيا بما أزهقه من أرواح ولما حصده من دمار وأن يتسامح مع ما تبقى منا وما تبقى لنا، ولكن يأبى العدوان إلا أن يستمر زارعًا المآسي فينا وقاتلاً لأي أمل نعيشه، وحاصدا للإنسانية في بلدنا.

دمر العدوان بيتي مع أن حجارته ليست معادية للسامية وأبوابه ونوافذه ليست داعمة للإرهاب وقطع الأثاث فيه ليست أعضاء في تنظيم معادٍ لإسرائيل، ومغ أن اللون الاخضر للأشجار والورد في حديقته الصغيرة هي بحكم الطبيعة، وليس نتيجة انتمائها السياسي، وتلك السلحفاة الصغيرة التي تركناها لتحرس المنزل عند النزوح القسري لم تكن مسلحة.

مخطئ من يعتقد أن الخسارات قابلة للتسامح وأن العذابات قابلة للتجاوز وأن الآلام قابلة للنسيان وأن الظلم قابل للغفران.

زرعَ العدوان ما لا سمعته أذن ولا ما رأته عين ولا ما خطر على بال بشر من قتل وتدمير ورعب، بعنجهية فاقت الوصف وبعنصرية فاقت التخيل وباستهتار فاق اعتقاد نظام العالم بأكمله.

العدوان لم يدمر بيوتا من حجر فبيوتنا ليست أكواما من الركام كما يراها العالم علي شاشات التلفزيون، بل هي أكوام من الذاكرة والذكريات، من تعب وعرق ودموع، من أفكار وتخيلات واحلام.

بيوتنا خاطبت الشمس عند شروقها وودّعتها عن غروبها ووعدتها دائما أن تبقى منيره رغم الظلم والظلام، ولكن لأن اعداء النور أبوا إلا أن يزرعوها ظلاما قاسيا طويلا، ولأنهم يريدون كسر إرادتنا ودفعنا للاستسلام لخيارات التسليم بما يريدونه، فإن عزيمتنا أقوى من قواهم الغاشمة وسنبقى نزرع الياسمين من جديد ونخرج كتابا من تحت الأنقاض كُتب في صفحته الأولى: على هذه الارض ما يستحق الحياة.

واهمون هم عندما يريدون إخفاء قرص الشمس في النهار وإطفاء نور القمر في ليالينا.

واهمون هم إن ظنوا ان البيوت لا تخاطب أصحابها بآلامها ولا تعاتبهم على الصمت على هذه الالام.

واهمون هم إن ظنوا ان نهاية الطريق هي كومة من ركام بيوتنا وانهار دمائنا وينابيع دموعنا التي لا تنضب وعذاباتنا نحن فقط.

في خضم لحظات الألم تصرخ الحناجر في وداع الشهداء، في وداع الأخلاق في وداع العدالة والإنسانية التى قتلها العدوان في أرضنا وفي العالم، وهذا سيجعل العالم ليس كما كان أبدًا لأن الظلم وإن ساد اليوم في مكان فتخيّل كيف يمكن أن يكون الغد في كل مكان.

دمّر الاحتلال المنزل وقبله دمّر المؤسسة والمكتب وفقدنا أعزاء كُثرًا ولا أعلم مَن ستأخذ هذه الحرب معها من الاحباب بعد، ولكننا نقول بكل قوة وعنفوان ودون ان نذرف دمعه واحدة: نحن لها والله المستعان.

 

غزة

٢٩-١٢-٢٠٢٣

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب