هذه الجملة قالها المربي الفلسطيني "خليل السكاكيني" الذي عاش في النصف الاول من القرن العشرين ولكنه لا زال يعيش في اذهان وقلوب من تعلموا على يديه وتعلموا في كتبه المسماه "الجديد في القراءة العربية" والتي شاع اسمها بين تلاميذه ومريديه ولاحقا على اَلسِنة كل من تعلّم في هذه الكتب باسم "كتاب راس روس" والتي بناها السكاكيني على اسسٍ تربويّةٍ سبق فيها عصره، وتعتبر اليومَ "حديثة" لانه وضع لكل كتابٍ مرشدًا للمعلم كما تتطلبه اليوم المناهج الحديثة، وقد راعى في البناء التعليمي للكتاب وضع تمارين بعد النص تثير التفكير وتراعي مبادئ فهم المقروء كما هو الحال اليوم. كان السكاكيني معلما ومفتّشًا وكانت له اراء ونظريات تربوية جعلته يقف على رأس اصحاب الفكر التربوي الحديث ليس في فلسطين انذاك بل في العالم العربي اجمع.لقد امنت بهذه المقولة وانطبقت عليَّ في حياتي معلمًا ومرشدًا ومؤلفا لكتب في تعليم القراءة. لا زلت أذكر القصيدة التي قالها امير الشعراء احمد شوقي في المعلم والتي شاعت وكان مطلعها:
قم للمعلمِ وفّه التبجيلَا
كاد المعلم ان يكون رسولًا.
لقد كنت ولا زلت حاملا الشعار "قم للمعلم". اقول هذا اليومِ، بمناسبة يوم المعلم العالمي وفي وقتٍ نعيشه اليوم فيه تزعزعت مكانة المعلم وقل احترامه.لقد كتبت اكثر من مقال في الماضي بهذا الصدد منها المقال "عندما كان للاب كلمة وللمعلم قدسيّة" ومقالا اخر تحت عنوان "عندما قبّل القاضي يد المتهم" (انظر كتابي انسان ان شاء الله) والمقال الثاني يروي قصة المعلم الاردني الذي اشتكاه اهل صبيٍّ كان قد ضربه هذا المعلم، وقبل ان يصدر القاضي الحكم قام من كرسيّه وتوجه نحو المتهم وقبّل يده، وامام استغراب الناس من تصرّف القاضي رجع الى كرسيّه وقال: هذا المتّهم كان معلمي ولولاه لما وصلت الى هذا المنصب الذي انا فيه اليوم. لقد قرأت هذا الاسبوع قصّةً اخرى شبيهةً عن بائع جرائد كان يفترش جرائده في مدخل القاعة التي كان سيتم فيها تكريم كبير مستشاريّ القلب في المستشفى الملكي في لندن، وقد استوقفه امام القاعة منظر بائع جرائد كبير السن، فتذكّر ان هذا الانسان كان معلّمَه قبل سنين وعندما نوديَ لاستلام شهادة التكريم قام من مكانه وبدل ان يتوجّه للمنصّة توجّه الى خارج القاعة والناس تنظر اليه في ذهول واقترب من بائع الجرائد وتناول يدَه واخذه الى الداخل والبائع يرجوه ان يتركه بقوله: "انا مش رايح افرش الجرائد مرة ثانية هنا" الا ان الدكتور المُحتفى بِه ادخله الى القاعة بالرغم من مقاومته له واخذه امام جمهور الحاضرين وهو يعانق ويقبل رأسه قائلًا: "انا تلميذك يا استاذ خليل... كنت الاول في صفي وكنت تشجعني دائما". وعندما تناول الوسام قلّده لبائع الجرائد وقال: هؤلاء هم من يستحقّون التكريم، والله ما ضعنا وتخلّفنا وجهلنا الا بعد اذلالهم وعدم احترامهم وتقديرهم بما يليق بمقامهم ورسالتهم السامية.
اسوق هاتين القصتين للقرّاء، معلمين واباء وبمناسبة يوم المعلم العالمي كما ذكرت ذلك آنفًا، عسى ان يتذكر الناس دائما قيمة المعلم، وعسى ان تعود للمعلم مكانته واحترامه، وان يكون المعلمون معلّمين ومربين حقًّا، ويليق بهم الاحتفال بتخصيص عيدٍ سنويٍّ لهم في الخامس من شهر تشرين الأول في كل العالم.
وبمناسبة افتتاح السنة الدراسية هذا الاسبوع ادعو الاهالي والاباء عامة وادعو الطلاب بشكل خاص الى احترام المعلم مربي الاجيال. ان هذا الاحترام الذي يجب ان نكنّه لجمهور المعلمين ولمهنة التعليم يجب ان يكون نبراسا يضيء الطريق امام المعلمين لأداء واجبهم بشكل مخلص دون ان يقعوا تحت طائلة عدم الاحترام لهم والاعتداء عليهم جسديا وكلاميا وتهديدهم احيانا برفع شكوى ضد المعلم الذي وبسبب وقاحة اولادنا ودون ان يكون مبررا لهذه الشكوى، يتقدمون بها للشرطة بهدف تلقين المعلم درسا بدل ان يكون ذلك التلقين للولد الذي يتطاول على المعلم ولا يحترمه. ان وضعا كهذا يحبط المعلمين ويجعلهم بعيدين عن اعطاء قلوبهم قبل عقولهم لطلابهم مما يضر بلبّ عملية التربية والتعليم.
يجب ان يكون احترام للمعلم ويجب ان يكون تقدير المعلم وشكره على عمله التربوي، الامر الذي نفتقده هذه الايام ويجعل المعلم يتردد في انزال أي عقاب على الطالب خوفا مما سيلحق بذلك من جهة الطلاب والاهالي فصار لا يهمه ما يجري يقوم بأداء واجبه ويجتنب أي مواجهة مع طلابه ويقول حال لسانه "امشي الحيط الحيط وقول يا ربي السترة واللي بتعلم والي ما بتعلم غير مهم المهم ان ابقى سالما من أي تصرف يمس باحترامي". والسؤال يبقى: "اين ذهبت قدسية المعلم واين ذهب احترامه؟" والسؤال الاخر: "أين دور الاب الفعال اليوم في تربية اولادهم؟".
إضافة تعقيب