news-details

رواية وتوثيق التاريخ الشفوي: لمواجهة محو النكبة الفلسطينية ذاكرةً ومعنىً وعبرةً | ليانا خوري

المشروع الكتابي الذي حرّره كل من د. نهلة عبدو و د. نور مصالحة، "التاريخ الشفوي للنكبة الفلسطينية" (2018)، يهدف إلى توثيق تجربة وذكريات اللاجئات اللاجئين الفلسطينيين وارشفتها بمختلف الأزمنة: قبل النكبة، خلالها وبعدها. وذلك عن طريق مقابلات أو شهادات حية مع لاجئين ممّن شهدوا على النكبة بشكل مباشر عندما كانوا في سن 12 سنة أو أكثر، والتشديد بشكل خاص على شهادات لنساء فلسطينيات عشن النكبة وإظهار الدور الهام والعظيم للنساء الفلسطينيات الصامدات. 

يستخدم هذا العمل المشترك والجماعي التاريخ الشفوي لسرد الذكريات الشخصية والمقابلات لدراسة وتحليل وإعادة تمثيل جريمة نكبة فلسطين، ويعيد إنتاج آثارها التاريخية واليومية حتى يومنا هذا. 

يتفق جميع الكتّاب في هذا الكتاب على أنّ النكبة نهج وعملية مستمرة وليست عبارة عن حدث منتهٍ. فإن ذكريات وسرد المصائب والرعب المحدد الذي لحق بالفلسطينيين خلال شهور إنشاء دولة إسرائيل، موجودة في مساحة عميقة من ذاكرة أولئك الذين عاشوها ونقلوها للأجيال اللاحقة. وهذا يتحدى كل الجهود الإسرائيلية والدولية لإنكار واخفاء الجريمة طوال السبعين سنة الماضية.

يتضمن هذا الكتاب خمسة فصول هامة يكمن فيها الترابط الزمني بين الماضي والحاضر من خلال رؤية النساء الفلسطينيات الشامخات والصامدات: 

القسم الأول: ينظّر النكبة والتاريخ الشفوي من منظورين مختلفين لكن متكاملان.

يقدم نور مصالحة إطارًا تحليليًا مفاهيميًا للتاريخ الشفهي الفلسطيني وذكريات النكبة. يستكشف هذا الفصل دور الذكريات الفردية والاجتماعية والجماعية في تشكيل الهوية الفردية والوطنية في فلسطين. من خلال تطبيق نظرية الذاكرة الاجتماعية ومنهجيات متعددة التخصصات وإنهاء الاستعمار على ترابط قوة المعرفة في فلسطين، فالفصل يتحدى التاريخ الاستعماري وينتقد التلاعب بالذاكرة الجماعية من قبل النخب المهيمنة والمقاربات القومية من أعلى إلى أسفل.

نهلة عبده تعتبر النكبة إبادة جماعية. تنتقد المقاربات النسوية القائمة تجاه المهمشين، وتحديدا المستعمَرين، وتصر على الحاجة إلى تطبيق مفاهيم محددة تاريخيًا وثقافيًا على منهجياتنا.

تساهم في تطوير التحليل النسوي المناهض للاستعمار المناسب لفهم السكان الأصليين والدولة الاستعمارية الاستيطانية. ويؤكد هذا الفصل على ضرورة وضع الأرض والإبادة الجماعية في قلب التحليل النسوي لتحليل السكان الأصليين المهمشين والمستعمرين.

اما القسم الثاني من الكتاب فيحلل العلاقة الوثيقة بين ما عرفته النساء وخبراتهن خلال النكبة، ويركز على العلاقة الحميمة والتأثير المباشر لهذه المعرفة على أجساد السكان الأصليين.

تستكشف ديانا آلان في الفصل الثاني تشابك العاطفة والفكر عبر مقابلات مسجلة مع مسنين فلسطينيين في لبنان لضمها لأرشيف النكبة. تدرس الدور الذي تلعبه التجربة الحسية والتجسيدية في التذكر وسرد الروايات الشفوية، وأشكال المعرفة المنقولة في الإيماءات، النبرة والحواس المتجسدة. بدلا من مشاهدة الحسية كتجميل سردي، تعتبر آلان ما يمكن اكتسابه من مجرد إعادة تمركز الجسد كموقع للدراسة التاريخية، مما يسمح بأشكال أكثر تنوعًا وغير قسرية للتذكر وخلق المعرفة.

في هذا الفصل تتناول لينا جيوسي موضوعات وتعابير روايات الذاكرة الفلسطينية للنكبة، مستكشفة مواقع وخصائص التأثير والترابط والمقاومة، في الماضي والحاضر. في هذا الفصل، يتم إيلاء اهتمام خاص لكيفية معاناة السكان الفلسطينيين من أجل التمسك، إن لم يكن للمكان، فعلى الأقل بالمساحة المشتركة، كمجال عاطفي وظاهري.

الفصل الثالث: يؤرشف النكبة من خلال أصوات اللاجئات الفلسطينيات المتواجدات في مناطق ودول مختلفة، مثل مخيم شعفاط في الضّفة الغربية ومخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان. تؤكد روزماري صايغ على مركزية النقل الشفهي لتاريخ الأسرة والمجتمع الذي مكّن الشعب الفلسطيني ولا يزال يمكّنه من تأكيد وجوده في رغم الإسكات الاستيطاني الصهيوني والعالمي. بينما تحلل لورا خوري عملية الوعي الانعكاسي الذاتي التي تمر بها النساء عندما يروين النكبة، مما يساهم في اعادة كتابة التاريخ، بناء على الذكريات الجماعية للاجئات فلسطينيات مسنات في مخيم شعفاط. 

تقدم خوري قراءة نسوية أصلية لتأريخ النكبة من قبل النساء الفلسطينيات حيث ينقلن بعضًا من الماضي، بوعي ولا وعي، إلى الحاضر، مما يخلق الاستمرارية ويتجاوز الحاضر. وتؤكد خوري أنه تحت التدقيق هنا ما لم يتم تعطيله: شيء "قديم" تحول إلى شيء "جديد". جديد في تأثيره أو استخدامه، جديد من حيث صياغة نشاط جديد وربطه مع الوقت الحاضر.

يعرض فصل فيحاء عبد الهادي روايات النساء الفلسطينيات المهجّرات عام 1948. يركز الفصل على التحديات التي تواجه هؤلاء النساء ومقاومتهن الجبّارة للوقوف بوجه المصاعب والتّحديات. فتكشف شهادات النساء عن الدور الهام الذي لعبته النساء حينها في الحياة السياسية، الاجتماعية والاقتصادية في فلسطين والشتات.

ويوثق القسم الرّابع من الكتاب قصص وذكريات النكبة، بناءً على حالات محددة لمدن وقرى عام 1948 في فلسطين. تستخدم الفصول في هذا الجزء العديد من الأساليب، بما في ذلك التاريخ الشفوي والمقابلات والذكريات الشخصية والأرشيفات الصهيونية. تضيف همت زعبي إلى هذه المجموعة منظور مدينة حيفا للذكريات الفلسطينية عن النكبة. تستخدم شهادات التاريخ الشفوية لإحياء التجارب اليومية لنساء حيفا وهن يعدن عيش النكبة. تشرح زعبي أهمية الحياة في المدينة الفلسطينية والدور الذي لعبه الفلسطينيون في المناطق المدنية قبل وأثناء النكبة، وتحلّل العواقب المستمرة للنكبة على سكان حيفا الحاليين.

وتستخدم أمينة قبلاوي نصرالله الذاكرة الشخصية للاستفادة من تجربة جدتها وتروي حكاية عائلتها ومجتمعها أثناء النكبة وبعدها. من المؤثر بشكل خاص في فصل قبلاوي مقتل والدها على يد المستوطنين الصهاينة في قريتها صفورية. بينما يستخدم هشام زريق التاريخ الشفوي لرفاقه من الرجال والنساء ويسجل تجاربهم أثناء النكبة وبعدها. استخدم المؤلف بحث التاريخ الشفوي هذا في فيلمه الوثائقي "أبناء عيلبون" (2007).

صفاء أبو ربيعة تقدم أصوات النساء البدويات وبناتهن في النقب من جيل 1948، وتسلط الضوء على مقاومتهن الجماعية للتهجير المستمر، مما يعكس كيف تعيد النساء سرد تاريخ النقب واستعادة أرضهن. من خلال الممارسات الشفوية والمكانية، تنشئ هذه القصص هوية إقليمية وشعورًا بالانتماء إلى المكان بين أطفالهم، وتثقيفهم ليكونوا مالكين للأرض وحتى بعد مرور أكثر من سبعين عامًا.

الفصل الخامس والأخير يوثق روايات النكبة من قطاع غزة والشتات باستخدام الذاكرة الشخصية وبعض المقابلات، وتتذكر منى النكبة وتقدم صورة حية للأحداث. تستخدم تجربتها الخاصة خلال الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة عام 2014 كخلفية لتسليط الضوء على النكبة المستمرة في غزة. الكاتبة تتأمل في الأمهات الراحلات وتجارب وذاكرة النكبة والمقاومة النسائية الفلسطينية.

أخيرًا، تستعرض ملكة محمد بعض مشاريع التاريخ الشفوي في غزة، وتركز على عمل مركز التاريخ الشفوي في غزة وعلى الشباب. ويوضح الفصل الأخير كيف انخرط المشروع الاستيطاني الإسرائيلي / الصهيوني في المحو المنهجي للثقافة المادية لفلسطين، مع التركيز بشكل خاص على محو وتغيير أسماء المواقع الجغرافية. ويشرح الفصل دور المبدعين الثقافيين الفلسطينيين (في الماضي والحاضر) بدحض الأساطير والأكاذيب الصهيونية والاستعمارية، من خلال إنتاج روايات مناهضة للهيمنة ومناهضة للاستعمار واحياء ذكرى النكبة والتشديد على ذلك من خلال عرض ثقافة المقاومة الفلسطينية.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب