news-details

عن لجوء نتنياهو الى الضبابية حول نواياه| أمير مخول

حثّ حزب شاس الديني الحريدي، والاساسي في الائتلاف، نتنياهو (17/7) على ابرام صفقة التبادل وتنفيذها، مؤكدا انه ما من أزمة سياسية في هذا الصدد. يثبت هذا موقفه في مؤتمره الصحفي يوم 13/7/2024 وردا على احد الصحفيين حيت قال نتنياهو "لن تكون اية مشكلة لتمرير الصفقة في الحكومة حين اقتنع بها". مؤكدا انه هو من يتحكم بكل اطراف الائتلاف الحاكم ولا احد يتحكم به وليس رهينة لا لسموتريتش ولا لبن غفير. فعليا هذه هي اول مرة يأتي فيها بمثل هذا التصريح. اكد التزامه بما اطلق عليه "صيغة بايدن" الا انه سعى بعدها الى طرح مسألة محور صلاح الدين (فيلادلفي) ومنع عودة النازحين مما يعطل الصفقة او يرجئها على اقل تقدير.

يدرك نتنياهو انه في حال قرر ابرام الصفقة سيكون لديه اغلبية واضحة في الحكومة وفي الكنيست وفي الرأي العام. كما يدرك انه سوف يحسّن وضعه السياسي، وانه بات في مساحة مريحة سياسيا وحزبيا. كما لا يبدو وجود خطر يتهدد ثبات الحكومة بسبب الصفقة من قبل "اقصى اليمين" الفاقدين لأي بيت سياسي بديل لهذا الائتلاف، الا اذا شعر الحزبان بأن نتنياهو نفسه معني بحل الكنيست والاعلان عن انتخابات مبكرة لا تتيح نضوج اصطفافات اليمين المناوئ له.

مهمة نتنياهو في حال انتخابات جديدة تبدو أسهل من مهمة معارضيه على مختلف تياراتهم. فهو يسعى الى ضمان كتلة يمينية من 50 -52  عضو كنيست. وعندها لن تكون اغلبية يهودية في الكنيست لتشكيل حكومة بديلة. وفقا لحساباته فإنه لا يوجد من بين منافسيه على رئاسة الحكومة من يجرؤ على بناء ائتلاف قائم على دعم اي حزب عربي، حيث بات مثل هذا الاحتمال خارج حدود "الشرعية الاسرائيلية". من مؤشرات ذلك جاءت تصريحات كل من غانتس ولبيد الرافضة لاعتماد اي ائتلاف مع القائمة العربية الموحدة والتي كانت عضوا في ائتلاف بنيت - لبيد.

وإذ بات مصدر قلق نتنياهو هو داخل الائتلاف سواء باحتمالية خروج اعضاء من حزبه عن طاعته، والصراع بين الاحزاب الدينية الحريدية والصهيونية الدينية. كما انه صدَّ في رده على اسئلة الصحافيين الدعوة التي اطلقها وزير الامن نهاية الاسبوع لإقامة لجنة تحقيق رسمية تحقق في كل المستويات العسكري والسياسي والامن القومي بمن فيهم رئيس الحكومة ووزير الامن. أكد نتنياهو ان لجنة التحقيق او الفحص او التحقيق (لم يحسم نوعية اللجنة ولا صلاحياتها) مشددا انها تقام فقط بعد انتهاء الحرب ولن تنتهي الحرب الا بتحقيق اهدافها وقد تستغرق سنوات، ليعود ويؤكد ان النصر على بعد خطوة وان حماس في ايامها الاخيرة لكن ليست نهاية الحرب، وأن لجنة تحقيق سوف تكون على حساب "تحقيق الانتصار".

يعتبر نتنياهو ان اثر الضغط العسكري الاسرائيلي بدأ يظهر وان حماس تتراجع بل ان "ايامها معدودة" وتقبل بالشروط الاسرائيلية. في حين يرى ان هذه الوضعية تتطلب المزيد من الوقت والضغط "حتى الانتصار"، تستخدم المنظومة الامنية هذه المحاججة لتأكيد ضرورة ابرام الصفقة وتأكيد قدرة الجيش على ضبط الوضع وعلى وقف اطلاق النار او العودة للحرب متى شاء وبأن عودة الاسرى والمحتجزين هي الانتصار وفقا لغالنت، ناهيك عن المسؤولية العليا. يؤكد نتنياهو بأن الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين في غزة "يعانون ولا يموتون" في مواجهة موقف غالنت القائل بأنه "اذا لم يتم استعادتهم خلال اسبوعين سيكونوا في خطر". وإذ يقوم الجيش باصدار مذكرات استدعاء للجندية للشباب المتدينين الحرديم، فقد اعلنت قيادة التيار الحريدي الرفض والدعوة لعصيان الاوامر، في اشارة الى تعمق التصدعات داخل الحكومة، ويدعي نتنياهو بأنه لم يكن على علم بهذه الخطوة من الجيش.

لكن ماذا يقصد غالنت بـمهلة "الاسبوعين"؟ هل هناك موعد لاشعال الجبهة الشمالية نحو الحرب المفتوحة، وعندها سوف تتبعثر اوراق الحسابات السياسية والامنية بصدد الصفقة ويتحول الوضع الى مرحلة الاحتلال المستدام حتى ولو في ظل حرب استنزاف طويلة الامد ولا تبشر خيرا للمحتجزين في غزة وعائلاتهم، أم هي مجرد مناورة منه للضغط على الحكومة قبل عطلة الكنيست وزيارة نتنياهو المتوقعة الى واشنطن، ام ان التوتر سيتصاعد مع الوسطاء وحصريا مع مصر. وقد تكون اسباب اخرى، الا ان غالنت عادة ما يعتمد تقديرات الجيش وما يضمره المستقبل القريب او البعيد.

يسعى نتنياهو للتخلص من عقبتين جوهريتين في طريقه الحالي؛ أولهما، تفكيك وحدة موقف الجيش والمنظومة الامنية الذين يتهمهم بأنهم يسعون لفرض الصفقة عليه مسنودين بوزير الأمن غالنت الذي يتبني نهجا صداميا معه. كما تبدو نوايا نتنياهو واضحة في التخلص من وزير الامن وإقالته لو توفرت لديه فرصة لتحقيق ذلك، وحصريا لانه قد يشعل الاحتجاجات وقد يؤدي حزبيا الى تصدع اضافي في الائتلاف الحاكم قد يعصف به. وإذ يسعى رئيس الحكومة الى  ضم غدعون ساعر رئيس اليمين الرسمي الى الحكومة وتبوّء منصب وزير الامن، الا ان الامر يلقى اعتراضات قوية داخل الليكود وخاصة المتنافسين المحتملين على رئاسة الحزب.

العقبة الثانية هي المستشارة القانونية للحكومة، ويسعى للتخلص منها بخلق حالة لا تستطيع مواصلة مزاولة دورها. يدور الصراع حول الزامية تجنيد الحرديم، وكذلك بتصديها لكل خطوة تتخذها الحكومة لا تتماشى مع الاجراء او القانون او قرارات المحكمة العليا، مما يعزز بدوره التصدعات الداخلية.

اراد نتنياهو الابقاء على حالة من الضبابية لتغليف نواياه، الا انه من الصعوبة بمكان ان يسافر الى واشنطن ويلقي خطابه امام الكونغرس الامريكي، دونما ابداء نوايا حقيقية بقبول الصفقة واتخاذ خطوات فعلية بصددها، وإلا سيجد نفسه في مواجهة مظاهرات احتجاجية اسرائيلية ويهودية امريكية تطالبه بإبرام الصفقة، وانقاذ حياة الاسرى والمحتجزين، في حين سيواجه مظاهرات اخرى منددة بالحرب ومناصرة لإحقاق الحق الفلسطيني.

نظرا لاحتياجاته السياسية الداخلية والخارجية وامام الكونغرس، واعتقاده المتزايد بعدم قدرته على تجاوز الصفقة، بل انها وحصريا المرحلة الاولى سترفع من أسهمه، فلا تزال احتمالية الاذعان لهذا الاستحقاق قائمة. بدورها، لا تبقي المؤسسة الامنية فراغا بل ترى ان الصفقة بصيغتها الحالية كما يبدو هي الفرصة الاخيرة لانقاذ حياة الاسرى والمحتجزين. كان لافتا موقف الوزيرتين من الليكود ريغف وغمليئيل المقربتين من نتنياهو واللتين دعتا الى ابرام الصفقة على وجه السرعة بل انهما استمعتا الى إحاطة من رئيس الموساد. هذا الموقف قد يكون مؤشرا الى ان نتنياهو وصل الى قناعة بعدم قدرته على تجاوز استحقاق الصفقة، وهو ما ستثبته الايام القادمة. 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب