في خلفية المشهد واجهة لمدخل شفاعمرو، إحدى القلاع التي حافظت إلى حد ما على وضعيتها المعماريّة من بين كل القلاع التي بناها ظاهر العمر الزيداني.
إضاءة خافتة وكأنها ضوء ليلة قمريّة حالمة.
تنبعث إيقاعات موسيقيّة شعبيّة بأصوات نسائيّة لأغانٍ تراثيّة أصيلة.
تعبر بين الحين والآخر أطياف تقطع المسرح بالاتجاه الآخر...
يمّه مويلي الهوى
يمّا مواليّه
ضرب الخناجر
ولا حكم النذل فيّا
تظهر بقعة ضوء في يسار المسرح يجلس شخص في الستينات من عمره بلباس عصري عادي، يضع نظارات وهو يقلّب بعض الأوراق الموجودة بين يديه. ومع خفوت أصوات الموسيقى يقترب من حافة المسرح.
الراوي ينظر إلى الخلف مشيرًا بيده نحو خلفية المسرح: "نعم بالتأكيد أعرف هذا المكان جيدًا، كان ولا زال حاضرًا في وجداننا منذ أن كان مرتعًا للصبا ولشقاوة ذلك الزمن الجميل (وكأنّه يستنشق رحيق ذلك الزمن) نعم جميل بكل ما تحويه هذه الكلمة من معنى".
يبدأ بالتّحرّك في مقدمة المسرح "كبرنا وكبرت معنا هذه الحجارة، والتي للأسف لم نعطها ما تستحق من رعاية وصيانة كما يجب.
توسّعت آفاق المعرفة بالحياة، وكان أن قرأت بتمعّن رواية "قناديل ملك الجليل" لكاتبنا الأصيل إبراهيم نصرالله، وكان بمثابة الصحوة من خلال البحث عن رحلة الجذور والهوية لهذه القلعة وكل ما تركه ظاهر العمر الزيداني من آثار.
يتغيّر لون الإضاءة وتنبعث موسيقى أكثر حماسية وانفعالية، والراوي يتحرّك بصورة أكثر انفعالية حتى تبدأ الموسيقى تخفت تدريجيًا.
(من الممكن أثناء حديث الراوي استعمال عرض صور على خلفية المشهد، بحيث توائم الحديث).
الراوي في القرن الثامن عشر وعلى ضفاف بجيرة طبريا، وفي جبال الجليل ومرج بن عامر بدأ رجل من عامة الشعب رحلته نحو أكبر هدف يمكن أن يحلم به رجل في تلك الأيّام، تحرير الأرض وانتزاع الاستقلال، إقامة الدولة العربية في فلسطين! متحديًا بذلك أكبر دولة في العالم آنذاك، الإمبراطورية العثمانية وسطوتها الممتدة على ثلاث قارات أوروبا.. آسيا وأفريقيا.
كان اسمه ظاهر العمر الزيداني.
بطبيعة الحال كل ذلك من خلال إلقاء مسرحي وأضواء مناسبة.
يبدأ بالتّحرك بمواجهة الجمهور مباشرة.
كل هذا أعمق بكثير عمّا كنّا قد سمعناه من قصص الآباء والأجداد عن هذا الصرح الحضاري، بأنّ صاحبه كان حاكمًا ظالمًا ومستبدًا، بنى هذه القلعة بالسخرة والاستعباد، وكلّنا يتذكّر تلك الحكاية التي تروي بأنّ رجلًا كان قد هرب من أعمال السخرة، تمّ القبض عليه في الجنوب اللبناني، وتمّ تقييده بلبش بطيخ وأُرسِل إلى حاكم القلعة عثمان بن ظاهر العمر الزيداني للمحاكمة، فسار كل هذه المسافة وهو مقيّد بلبش البطيخ حتى وصل القلعة ولم يتجرأ بأن يفكّ نفسه خوفًا من جبروت وقسوة هذا الحاكم!
القضيّة كانت أكبر من ذلك بكثير، كانت تتنبأ باقتراب الخطر الصهيوني على فلسطين كلّها من بحرها إلى نهرها من خلال دعاية كاذبة بأنّها أرض بلا شعب، حفرة نافرة، والواقع يقول غير ذلك، على العكس كانت بلادًا حاضرة بأهلها وناسها، تزخر بالحياة والحضارة، وهذا ما أكّد عليه كاتبنا إبراهيم نصرالله من خلال أحداث الرواية، وتسلسل الحدث الدرامي من أيّام ظاهر العمر الزيداني المشرقة، ومرورًا بالهجمة الصهيونيّة على الأرض الفلسطينيّة وأهلها وناسها".
مع انتهاء الراوي من كلامه تبدأ عملية إعادة تجسيميّة للأحداث في هذه الرواية المسرحيّة، موسيقى صاخبة لظهور شخصيّات هذه الرواية تباعًا واختفاء الراوي وتلاشي أصوات الموسيقى تدريجيًا.
في الصورة: شفاعمرو، إحدى القلاع التي بناها ظاهر العمر الزيداني وقد حافظت إلى حد ما على وضعيتها المعماريّة
إضافة تعقيب