news-details

لو علم غالانت كيف كان أينشتاين يفكّر، لما منحه جائزة إسرائيل| بروفيسور ليو كوري

ترجمة: طارق ياسين

فوق رأس وزير التعليم غالانت، يرفرف في مكان بارز غلاف السيرة الذاتية لألبرت أينشتاين. لو كلّف الوزير نفسه القراءة فيه، لاكتشف أن عوديد غولدرايخ هو مجرد يساري مقارنة بأينشتاين، الذي اعتقد أن بيغن "إرهابي" وأنه لا حاجة لدولة يهودية.

"هناك أمران ليسا نهائيين: الكون وغباء الإنسان، وأنا لست متأكدًا بالنسبة للأمر الأول". هذه الجملة تقتبس كثيرًا كواحدة من المقولات المعروفة لألبرت أينشتاين، والتي تصلح للاستعمال في كل وقت. في الواقع لا يوجد أي دليل انه قد قال هذا الكلام فعلاً، وبهذا فإن هذه المقولة تضاف إلى مقولات أخرى كثيرة تنسب إلى الفيزيائي الكبير، دون أن يقوم أحد بفحص صحّة الاقتباس.

وعلى الرغم من ذلك، حقيقة اقتباس هذه الشخصية المعروفة والرائعة بكثرة يظهر كأمر حضاري في كل محادثة، والمقتبَس يضفي على الذي يقتبسه، على الأقل بنظره هو، عبقًا لجديّة وعمق ذهني. تُكثر شخصيات جماهيرية، من إظهار صور أينشتاين في مكاتبهم. أو بشكل أفضل، كتاب معيّن مرتبط به والذي، كأنه بالصدفة، مفتوح في تلك اللحظة على صفحة معينة، أو موضوع في مكان محترم على رفوف المكتبة.

هكذا مثلاً، وزير التعليم، يوآف غالانت. أثناء تصويره للقاء في التلفاز في مكتبه، يمكن ملاحظة ترتيب الكتب على مكتبه بشكل جيد، كلها كتب جديّة طبعًا، والتي تهدف إلى ترسيخ جديته وملاءمته للمنصب في أعين المشاهدين. لكن هناك كتاب واحد بينها يمكن مشاهدة غلافه بشكل بارز، وعليه ترفرف بعبقرية صورة أيقونة العالم، بشاربه المشهور وشعره الذي تبعثره الرياح.

الحديث يدور حول السيرة الذاتية التي نشرها الصحفي فولتر أيزكسون في العام 2007. وفي هذه الأيام، التي يقوم خلالها الوزير الشجاع بملاحقة من أجل حرمان البروفيسور عوديد جولدرايخ من جائزة إسرائيل للرياضيات وعلوم الحاسوب، لم أستطع ألّا أعجب بالشكل الغريب الذي اختار خلاله ابراز شخصيته عبر التطرق لأينشتاين. هل فعلًا يرى الوزير بأينشتاين شخصية يقتاد بها وبرؤيته؟ فلنفحص الأمور.

لو قرأ الوزير بتمعن هذه السيرة الذاتية لاينشتاين، لانتبه فورًا أن الحديث يدور حول شخصية تنتمي بشكل واضح إلى تلك الفئة صاحبة المواقف غير الشرعية بنظره، والتي يمنع منحها جوائز رسميّة.

خلافًا لآراء أينشتاين حول طريقة تحقيق الحركة الصهيونية رؤيتها للشعب اليهودي، التصريحات السياسية التي اتّهمَ بها الوزيرُ البروفيسور غولدرايخ - والتي بسببها يتدخل بشكل فظ في مسار اختيار يجب أن يعتمد بشكل كامل على الإنجازات العلميّة المتفوقة – ستبدو آراء المحاضر قصيدة وطنية من الطراز الأول.

هكذا، مثلاً، في الصفحة 663 في النسخة العبرية من السيرة الذاتية (ترجمة دافيد مدر)، يحكى أنه قبل الحرب العالمية الثانية أعلن أينشتاين معارضته لقيام دولة يهودية: "معرفتي لطبيعة اليهودية تعارض فكرة دولة يهودية مع حدود، جيش، وبمستوى معيّن لقوة مؤقتة... أخشى من الضرر الداخلي الذي ستتلقاه اليهوديّة – خاصة من تطور القومية الضيقة في صفوفها. نحن الآن لسنا اليهود في فترة المكابيين".

"مستوى معيّن لقوّة مؤقتة"، فليكن. صياغة لطيفة جدًا وملائمة ربما لتخوفات أينشتاين وقتها. بالإمكان التخيل فقط ماذا كان سيقول لو وقف اليوم أمام تجمع القوة والثقافة العدائية التي تطورت في الدولة، والتي فيها وزير التعليم يشكل مندوبًا أمينًا لها بكل شخصيته وتحركاته، تشمل هذا التصرف. أيضًا في العام 1946، وبعد الحرب العالمية وبعد أن بدأت ملامح كارثة يهود أوروبا بالتجلي، عاد أينشتاين وشدد أن "فكرة الدولة ليست قريبة من قلبي... لا أستطيع فهم الحاجة لذلك".

من المهم متابعة قراءة الصفحة ذاتها في السيرة الذاتية، والتي يتحدث فيها أيزكسون كيف تصرّف أينشتاين كأعضاء "كاسري الصمت": أينشتاين ارتعب بشكل جدي من طرق العسكرة، التي استخدمها مناحيم بيغن وقادة المنظمات اليهودية السرية الثانية وانضم ... للتوقيع على عريضة في الـ "نيويورك تايمز" التي أدانت بيغن ونعتته بالـ "إرهابي" وبالـ "قريب جدًا" من الفاشيين. العنف يتناقض مع الإرث اليهودي. "نحن نقلد القومجية الغبية والهراء العنصري لغير اليهود" كتب.

ايزكسون يتحدث عن ميول أينشتاين نحو التمرد ضد السلطات بشكل عام. هذا ميول يستحق التقدير بشدّة في بلادنا، من منطلق التفكير أنه وجه نحو ثقافة العسكرة في ألمانيا ولتصريحات معادي السامية على أنواعهم. لكن نفور أينشتاين من الاستقواء والتعسف كانت أوسع من ذلك بكثير، ولم يختصر نقده اللاذع أيضًا ضد الصهيونيّة".

بعد أحداث 1929، مثلًا، تعاون أينشتاين مع "تحالف السلام" في الجامعة العبرية، الذين يشابهون بطرحهم لمنظمة "يافيه نيفيش" في أيامنا. في مكان إقامته في برلين (نذكر أنه زار البلاد مرة واحدة فقط، في 1922، زيارة من 12 يومًا فقط في طريق عودته من اليابان إلى ألمانيا، لانعدام البديل كما يبدو)، كتب أينشتاين لحاييم فايتسمن المقرب منه حول آرائه عن الأوضاع في فلسطين بهذه الكلمات: "فقط التعاون المباشر مع العرب يمكّن من تشكيل مكان ذو قيمة وآمن... يحزنني أن اليهود ليسوا أذكياء كفاية من أجل استيعاب ذلك ويحزنني أكثر أنه لا يوجد لديهم مستوى كاف من العدالة من أجل السعي لذلك".

فايتسمن ثار غضبًا على المثقفين "المتلوّنين"، الذين يشقون وحدة الصف ويرسمون صورة كأننا لا نريد السلام".

مواقف أينشتاين هذه لاقت صدى عند بن غوريون في القضية الغريبة، دون وصفها  بالسخيفة، التي جاءت كما يبدو لتعيينه لرئاسة الدولة عد موت فايتسمن.

مجرد امكانية تعيين أينشتاين رئيسًا للدولة تحظى بنشر كثير وتثير عندنا الفخر، ربما لأنها اعتبرت كعلامة للربط العميق بين عبقرية الشخص وبين عبقرية الشعب كله. لكن كما يقول ايزكسون في السيرة الذاتية التي يتفاخر بها الوزير ويعرضها، بالنسبة لبن غوريون كان هذا مصدرًا للمتاعب، وفهم الضرر الموجود فيها جيدًا. "كنت مجبرًا على عرض الوظيفة عليه لأنه لا يمكن الامتناع عن ذلك"، قال يتسحاك نفون إن بن غوريون اعترف أمامه لاحقًا. "لكن إذا وافق، نحن فعلاً بمشكلة".

مع قيام الدولة، اينشتاين عدّل بقليل، وبعدم إرادة بارز، مواقفه المسالمة. في عام 1948 صرّح انه لم يعتقد بأي شكل أن فكرة إقامة الدول هي فكرة جيدة، لأسباب عسكرية، سياسية واقتصادية. لكن الآن لا طريق رجعة وعلينا المحاربة. لكن ليس من الصعب التخيل ماذا ستكون مواقف أينشتاين اليوم، ليس فقط حول الأمور المصيرية في الدولة (مثل مصير المناطق الفلسطينية، العلاقة مع العرب في إسرائيل، او الهجمة الشرسة على جهاز القضاء وتطبيق القانون)، انما أيضًا بموضوع إلغاء منح جائزة إسرائيل لباحث اختير من قبل لجنة مختصة وقالت انه لا يوجد من هو ملائم أكثر منه، حتى في دولة تحوي هذا القدر من القدرات في هذه المجالات مثل إسرائيل.

لا يوجد سبب لتبني المواقف السياسية، التي يملكها العلماء المتفوقون، وليس من الملزم بهم أن يكونوا أكثر دقة من مواقف المواطن العادي او السياسي. النقطة الأساسية هي انه لكلا الفئتين يوجد الحق الكامل للتعبير عن مواقفهم هذه بكل مكان يرونه مناسبًا.

لا يوجد حق لأي جهة حكوميّة او أي جهة أخرى ان تمنعهم من القيام بذلك، وبالتأكيد ليس عن طريق حرمانهم من الجوائز التي يستحقونها بفضل عملهم. وظيفة المملكة في هذه الحالة التشجيع بكل طريقة لتميزهم العلمي من أجل المجتمع كله وعدم ردع من يخرج حسب رأيهم من هذا الخط.

إذا أردنا دليلًا على ذلك أن هذا الردع يعمل، فقد حصلنا عليه في الأيام الأخيرة الماضية على شكل قرار رؤساء الجامعات بالقبول للجنة رؤساء الجامعات الكلية التي تعمل في المناطق المحتلة، والتي تم ترقيتها إلى درجة "جامعة" في عام 2012. بالإمكان مناقشة السبب التكتيكي والمبدئي الذي قاد المؤسسات الاكاديمية لهذا القرار، لكن لا نقاش على أن القرار هو نجاح مثبت لسياسة الردع، والتي ستسبب ضررًا فعليًا لمنظومة التعليم العالي والتميز العلمي لإسرائيل.

الوزير غالانت لا يرى أي امر خاطئ في فترته، حتى عندما قال المستشار القضائي في عام 2011، عقب اقتحام غالانت لأرض عامة قرب بيته وعدم اخلائها رغم القرارات التي أصدرتها السلطات، أو المصاعب الجوهرية التي تمنع تعيينه قائدًا لأركان الجيش. هو لم ير أي مانع بتولي رئيس حكومة يحاكم على ثلاثة بنود من الفساد الخطير وانتخابه مجددًا.

لكن علينا الا نعتقد أن الوزير غالانت غير قادر على الإلغاء بشكل جارف: "لن أسمح بإعطاء جائزة إسرائيل لشخص يدعم المقاطعة!" هكذا حسم موضوع الباحث صاحب الاسم العالمي، الذي طلب، كمواطن في الدولة تحصيل حقه بالتعبير عن آرائه السياسية كما يفهمها، حتى لو لم تكن مقبولة على أصحاب الهيمنة.

في النهاية أريد أن أعطي نصيحة ودية لسعادة الوزير: قدم لنفسك معروفًا وقم بإخفاء السيرة الذاتية لأينشتاين في مكان متواضع، حتى لا تحملق بنا شخصيته في كل مرّة تجري فيها مقابلة في مكتبك، حتى لا يبدأ الآخرون بالقراءة ويفهموا ما هي مواقفه السياسية والأخلاقية. ليس كتلك التي تطلب أن تنتهجها كوزير للتعليم في دولة إسرائيل.

*بروفيسور ليو كوري محاضر في تاريخ العلوم في جامعة تل-أبيب، وشغل منصب رئيس قسم علوم الانسانية فيه حتى فترة ليست بعيدة، المقال نشر في موقع "سيحاة ميكوميت" ويترجم بالتنسيق مع الكاتب.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب