news-details

هل نحن شعب واحد، عربًا فلسطينيّين ذوي هويّة أساسيّة واحدة.. (2-2)| علي هيبي

 *أمّ طوائف متفرّقة ذات هويّات متنوّعة مسلمين ومسيحيّين ودروزًا لكلّ هويّته الانعزاليّة، وبلا انتماء قوميّ ووطنيّ؟!*  

إنّ الهتافات المدمّرة والانكفاء إلى الهويّات القاتلة خطيئة كبرى تنبثق عن فقدان العقول الواعية وعن جمود العواطف الصّادقة، وهي الّتي تفقد الإنسان انتماءه الأصيل وهويّته الكبيرة الجامعة، وتجعله منكفئًا ومنزويًّا في ركن مظلم من هويّته الصّغيرة الضّيّقة والقاتلة فتقوده بالتّالي إلى التّيه والضّياع. ولقد أحسنت الأيادي البيضاء صنعًا، وكان للجنة المتابعة العربيّة العليا ورئيسها السّيّد محمّد بركة وبعض أعضاء البرلمان العرب الّذين قاموا بجهود جبّارة لإعادة جثّة الشّاب تيران فرّو إلى ذويه لمواراة جثمانه الطّاهر في ثرى قريته. وكان للقيادة الرّوحيّة للطّائفة المعروفيّة دور بارز في كبح مسيرة سيّارات كانت ستتوجّه إلى مقام النّبي شعيب "عليه السّلام"، كان يزمع القيام شبّان من أبناء الطّائفة الدّرزيّة وفعلًا منعوا تنفيذها، بعد نداء من الشّيخ موفّق طريف ورؤساء السّلطات العربيّة الدّرزيّة. ولقد أحسنت صنعًا السّلطة الفلسطينيّة بقيامها بزيارة تعزية إلى دالية الكرمل وبمرافقة النّائب أيمن عودة، وقد استقبلوا بحفاوة وترحيب كبير، عبّر عنه بكلمات تثلج الصّدور الشّيخ الفاضل أبو علي حسين الحلبي، ودعا فيها إلى التّعامل بالحسنى والتّرفّع عن الآلام، ودعا إلى التّسامح بين كلّ الطّوائف لنبقى في وحدة واحدة أمام عواصف التّمزيق.          

 

//الحلول:

ويبقى السّؤال الكبير الكبير مطروحًا طالما واقع الحال هو هذا الّذي نضطرب فيه وطنيًّا وسياسيًّا كوحدة متماسكة أو كطوائف منقسمة متشرذمة، كلّ منها "يغنّي على ليلاه"، الاحتلال الإسرائيليّ لن ينقلع إلّا بنضال الشّعب الفلسطينيّ، وأمضى أسلحته وحدته أمام هذا الغول الشّرس، والتّمييز العنصريّ ضدّ العرب جميعًا في إسرائيل لن ينتهي إلّا بنضال الجماهير العربيّة الفلسطينيّة في الدّاخل، وأمضى سلاح تملكه وحدتها بكلّ مشاربها السّياسيّة والاجتماعيّة وطوائفها الدّينيّة للعمل على تحقيق أهدافها الكبرى الجامعة لها كمجتمع عربيّ له انتماء قوميّ وانتماء وطنيّ بالكفاح الموحّد الواحد، الّذي يرى – على سبيل المثال – أنّ عدم إعطاء الميزانيّات لأيّ مشروع تطويريّ يوميّ وصغير منبثق عن القضيّة القوميّة، فالتّمييز ضدّنا هنا ناتج عن سياسة التّنكّر لحقوق شعبنا الوطنيّة الكبرى، وهذه السّياسة المبرمجة ما زالت ترى في اقتلاعنا من وطننا هدفًا وفي تصفية قضيّتنا مشروعًا صهيونيًّا أساسيًّا، ولكم في النّقب نموذج، فالسّلطة تعيث بقرى النّقب هدمًا وبأراضيه مصادرة وبأهله اقتلاعًا، وهم جماعة مهدّدة بالسّلخ عن المجتمع العربيّ، وكأنّ للبدو هويّة خاصّة بهم، كما هو النّموذج الطّائفيّ الدّرزيّ الّذي اختلقته إسرائيل ويعاني من التّعسّف نفسه ولاقى سياسة المصادرة والهدم ومحاولات الاقتلاع، فنجاح سياسة الحكومة بسلخ مجموعة طائفيّة ما يعني تمهيدًا لاقتلاعها أو جعلها جزءًا غريبًا عن هويّتها الأصيلة، فتصبح لقمة سائغة لكلّ مطمع سلطويّ، إلى حدّ ضمّها للجيش الّذي يهدم قراها وبيوتها وللمؤسّسات الأمنيّة الّتي تبرمج الخطط لاقتلاعها من أرضها، من وطنها الّذي لا وطن لها سواه.    

وأنا أكتب مقالتي هذه والّتي بدأت بكتابتها منذ الأحداث الّتي عصفت بوحدتنا إثر اختطاف الشّابّ تيران فرّو، ووصلت إلى كتابة آخر أفكارها قرأت مقالة الرّفيق محمّد بركة الّتي نشرها في ملحق جريدة الاتّحاد يوم الجمعة الفائت بتاريخ 23/12/2022 على الصفحات 2 – 4، تحت عنوان "تقدير عامّ: ليس فقط في أعقاب نتائج الانتخابات الأخيرة" وفيها يتناول ويحلّل ويعالج ظاهرة نموّ الفاشية المتمثّلة في أحزاب كهانيّة يمينيّة شديدة التّطرّف، والّتي ستكون جزءًا من حكومة نتنياهو القادمة وبرامجها العنصريّة ستنفلت كجهة رسميّة ضدّ كلّ ما هو ومن هو عربيّ فلسطينيّ في إسرائيل، وضدّ كلّ ما هو  ومن هو عربيّ وفلسطينيّ في الضّفّة والقطاع، ولن يفلت منّا أحد ولا طائفة ولا حزب ولا أيّ جماعة تنادي بالحرّيّة والدّيمقراطيّة وتطالب بالحقوق اليوميّة والقوميّة، وقد التفتّ بركة في المقالة إلى هذه النّقطة بالذّات، ربط القوميّ باليوميّ وتحدّث عن بناء مشروع عربيّ متكامل ونضاليّ لصدّ هذه الطّغمة الّتي ستحكم إسرائيل، وبحقّ عبّر عن أحاسيسنا حين قال: "نحن لا نخاف المرحلة وتحدّياتها وحكومتها، ولكنّنا قلقون .. قلقون جدًّا". ما يقلقنا وفقًا لرؤيتي وقد تتوافق مع رؤية الرّفيق بركة هو ليس غول مخيف اسمه الحكومة القادمة، فقد واجهنا حكومات لم تكن أقلّ تغوّلًا ولا توغّلًا في محاولات تدجيننا لنقبل بكلّ شيء، حتّى بإنكار هويّتنا العربيّة الفلسطينيّة "لنعيش" أو لنموت بأمان واطمئنان تحت الظلّ الوارف "لآلاء" إسرائيل وبحبوحتها "الدّيمقراطيّة"، في الوقت الّذي مثلت الحقيقة السّاطعة أمامنا وأمام إسرائيل، وهي "مركزيّة فلسطين في الوجدان الشّعبيّ العربيّ من المحيط إلى الخليج" كما رأى ذلك بركة من خلال حضور غياب فلسطين عن الألعاب أكثر بكثير من حضور دول ذات منتخبات شاركت في مباريات الكأس العالميّ، وقد صحّ ما قاله: "إنّ مشكلة إسرائيل وجوهرها الكولونياليّ معنا هي في مجرّد وجودنا في وطننا وفي كوننا ننتمي إلى الشّعب الفلسطينيّ وإلى قضيّته العادلة"، من هنا تنبثق كلّ مشاكلنا القوميّة واليوميّة معها. فلسطين تحظى بهذه المكانة ونحن هنا أمام غول سلطويّ مخيف "نستسهل التّفريط بالأطر الجامعة، باعتقاد من البعض أنّ ذلك من شأنه أن يخدم أجندة حزبيّة أو فئويّة" وكذلك طائفيّة أو قبليّة. أن تكون وطنيًّا يعني ذلك أن تضع قضيّة الوطن والانتماء إليه سبّاقة لكلّ الهويّات الأخرى، كي نبقى داخل التّاريخ والجغرافية، ولا تستطيع كلّ البرامج والسّياسات والممارسات الصّهيونيّة من اقتلاعنا وقذفنا خارج سياقات التّاريخ وخارج حدود الجغرافية الوطنيّة. وهذا ما عناه بركة في سياق مقولاته. وحسنًا فعل إذ تطرّق للشّأن الطّائفيّ ومحاولات السّياسة الرّسميّة الإسرائيليّة من تعريفنا كطوائف أو فئات وجهات كي يسهل إنجاز برامجها، وقد وصل الأمر بها حدّ فرض الخدمة العسكريّة على أبناء شعبنا من الدّروز، وفي تقديم إغراءات مادّيّة واهية لتسهيل اجتذاب الشّبّان العرب إلى الخدمة المدنيّة والّتي هي مقدّمة للخدمة العسكريّة وللارتباط الدّنس بالأجهزة الأمنيّة. والأهمّ كما قال بركة: "إن لم تكن الوحدة الوطنيّة هي الحاضنة والحامية لكلّ مكوّنات شعبنا، فالخطر كبير في أن تبحث قطاعات مهدّدة عن الحماية في حضن المؤسّسة" وأنا أزيد وأٌقول كما فعلت القائمة العربيّة الموحّدة في المشاركة في الائتلاف الحكوميّ السّابق. وكما فعلت قيادات تقليدية منذ عقود وما زالت توافق على قانون الخدمة العسكريّة، وكما فعل مخاتير الطّوائف وعكاكيز السّلطة بالانضواء والتّساوق مع برامج الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة معتقدين جميعًا أنّ ذلك يدرأ عنهم المخاطر المتنوّعة ويجلب لهم الخيرات العميمة، ولذلك عملوا سماسرة وتجّارًا لدى المؤسّسة ضدّ حقوقنا الجماعيّة كشعب واحد ومجتمع واحد، وكما يفعل المتطوّعون العرب مسلمين ومسيحيّين للجيش متذرّعين بحجج واهية وتافهة، وكما دعا الكاهن جبرائيل ندّاف بدعوته الشّباب العربيّ الفلسطينيّ المسيحيّ للجيش كضمان للحماية في حضن المؤسّسة الظّالمة الّتي دنّست الكنائس وهدمتها وحرقتها، ومن قبل اقتلعت العرب المسيحيّين الفلسطينيّين من قراهم، بل لم تنفّذ قوانين أصدرتها محكمة العدل العليا بإعادة أهل كفر برعم وإقرث إمعانًا في العنصريّة والظّلم المستطير وعدم ردّ الحقوق والأرض إلى أصحابها الشّرعيّين الأصليّين.

لقد أنهى بركة مقالته بفقرات تحت عنوان "ما العمل"، وأنا أنهي بالحلول فما هو العمل وما هي الحلول؟

لا شكّ أنّني أضم صوتي وموقفي لصوت محمّد بركة وموقفه في ضرورة الحفاظ على مضمون النّضال الشعبيّ بكل تجلّياته وأشكاله، وبضرورة التّمسّك الصّارم بالثّوابت الوطنيّة وفي صميمها القضيّة الفلسطينيّة العادلة، والتّمسّك الصّارم بحقوقنا القوميّة واليوميّة المدنيّة والمبادئ الدّيمقراطيّة، والعمل على تعزيز الوحدة والانتماء القوميّ والفلسطينيّ الوحدويّ الجامع. لأنّه وعلى حدّ تعبير بركة: "فلا يجوز تحت أيّ شرط التّفريط بالحقوق الوطنيّة الجماعيّة من أجل مكتسبات آنيّة، لأنّ ذلك سيقود بالضّرورة إلى إهدار اليوميّ وخيانة القوميّ، ولا يجوز إهدار اليوميّ بحجّة الطّهرانيّة السّياسيّة أو الوطنيّة أو الفكريّة، وبالتّالي إلى إضعاف عنصر هامّ من عناصر المناعة الشّعبيّة".

ومن هذه المثابات ننطلق وندعو لجنة المتابعة العربيّة العليا واللّجنة القطريّة للرّؤساء العرب إلى أن تقود معركة عربيّة وديمقراطيّة شاملة من أجل إلغاء قانون الخدمة العسكريّة الإجباريّة المفروض على أبناء شعبنا العرب الفلسطينيّين الدّروز منذ عام 1956، إنّ هذه المعركة ضد ذلك القانون ليست محصورة بكونها تمسّ أكثر أبناء الطّائفة الدّرزيّة بل يجب أن تكون معركة عربيّة شاملة تخوضها الجماهير العربيّة بكافّة قياداتها وطوائفها وهيئاتها التّمثيليّة وأحزابها الوطنيّة وكلّ جمهورها، لتتحوّل إلى معركة شعبيّة لضمان نجاحها، حتّى وإن كان الدّروز في صميمها، فقضيّة الدّفاع عن حقوق المرأة ليست نسويّة بل مجتمعيّة شاملة. وعليه أعتقد كمقدّمة لعودة العرب الفلسطينيّين الدّروز إلى حضن شعبهم الفلسطينيّ وأمّتهم العربيّة، إيّ إلى هويّتهم الأساسيّة العمل على حلّ اللّجنة القطريّة للسّلطات الدّرزية والعودة لتكون هذه السّلطات تحت خيمة السّلطات العربيّة، لها ما لها وعليها ما عليها! وعودة الطّلّاب والمدارس الدّرزيّة إلى العمل وفق المنهج العربيّ، خاصّة فيما يتعلّق باللّغة العربيّة والأدبيّة والتّاريخيّة، فلا فرق بنظري بين محمود درويش وسميح القاسم ولا بين إميل حبيبي ومحمّد نفّاع، ولا بين جمال عبد النّاصر وسلطان باشا الأطرش وفارس الخوري.

 

خلاصة الكلام:

لا لعربيّ فلسطينيّ مسلم ولا لعربيّ فلسطينيّ مسيحيّ ولا لعربيّ فلسطينيّ درزيّ ولا لعربيّ فلسطينيّ بدويّ ولا لعربيّ فلسطينيّ قرويّ ولا لعربيّ فلسطينيّ مدنيّ مبرّر للانضمام والانخراط في جيش الاحتلال الإسرائيليّ، سواء وفق قانون إجباريّ أو وفق تطوّع مهين، ولا شرف لعربيّ من كلّ تلك الانتماءات إذا انخرط في العمل في جيش احتلال، هو ذراع لسياسة حكومات عنصريّة تكره العرب وتودّ لو نموت أو نخرج من سياق الزّمان الوطنيّ وخارج إطار المكان الوطنيّ، حكومات سلبت وطننا وهدمت قرانا وبيوتنا وصادرت أرضنا وانتهكت مقدّساتنا وفرّقت الأخ العربيّ الفلسطينيّ عن أخيه العربيّ الفلسطينيّ كي يسهل الاستيلاء على كلّ ذرّة تراب نملكها. هل يعقل يا أخوتي العرب الفلسطينيّين المسلمين والمسيحيّين والدّروز والبدو والقرويّين والمدنيّين أن يقاتل إنسان عربيّ فلسطينيّ أخاه العربيّ الفلسطينيّ وشعبه ويسهم في إهانته وظلمه من أجل "حفنة دولارات" تافهة وإغراءات بائسة ويفقد شرفه الشّخصيّ والقوميّ والوطنيّ والطّائفيّ ذا المعاني السّامية! هل يعقل أن أبيع شرفي الرّفيع وقيمي العظيمة من أجل مكاسب دنيئة ورذيلة! هل يعقل أن أبدّل سموّ هويّتي الأصيلة والأساسيّة وأفضّل عنها هويّات قاتلة نمّتها السّلطة الإسرائيليّة وأثارتها كي تمعن في ممارسة التّمييز ضدّنا جميعًا! ليس لأنّنا مسلمون أو مسيحيّون أو دروز أو بدو أو قرويّون أو مدنيّون، بل لأنّنا عرب فلسطينيّون ننتمي إلى شعبنا وإلى قضيّته الوطنيّة العادلة وإلى أمّتنا العربيّة المجيدة رغم الظّروف الرّاهنة والقاهرة ذات الحضارة الإنسانيّة العظيمة.

 فيا أيّها العقلاء الرّاشدون ويا ذوي العواطف الوطنيّة النّبيلة والأحاسيس القوميّة المتدفّقة من كلّ طوائف شعبنا الفلسطينيّ وأمّتنا العربيّة، عودوا إلى رشدكم وإلى عواطفكم الجيّاشة بحبّ الوطن والأمّة، واعتصموا بهويّاتكم الطّائفيّة وعمّقوا انتماءكم لها، ولكن بتقويتها وترسيخها في عقولكم وعواطفكم بالهويّة الوطنيّة والقوميّة، الفلسطينيّة والعربيّة الأصيلة والجامعة، كما فعل سلطان باشا الأطرش زعيم الثّورة السّورية في جبل العرب وبلاد الشّام. ولا تبدّلوا السّمين بالغثّ ولا القمح بالزّؤان لئلّا يهزل السّمين ويُسفَح القمح ولئلّا نضيع! 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب