من خلال الممارسات العدوانية على حرية ومقدرات الشعوب، لم تخل بقعة منكوبة بالحرب او الازمات السياسية على مسطح هذا العالم الواسع من بصمات العدوانية الامريكية المباشرة، او عن طريق وكلاء وعملاء لأذرع جهاز المخابرات الامريكية الذي يمتد كالأخطبوط كي يسلب الشعوب مقدراتها وحريتها وكرامتها الوطنية.
القائمة تطول من فيتنام وكوريا والعراق وأفغانستان وممارسات هذه السياسية نسختها حكومة الاحتلال الاسرائيلي بالمناطق المحتلة الذي يُفرض بدعم مباشر وسافر من قبل المؤسسة الامريكية العدوانية خدمة لأجندتها وأهدافها، وآخرها ما يجري حاليا من حرب بالوكالة على روسيا من قبل دمية أمريكا والناتو، الفاشي زيلنسكي وحاشيته.
كان لا بد من هذه المقدمة التي هي غلاف يعكس حقيقة الواقع الامريكي فهذه المدرسة الامريكية ومحاولة الهيمنة على حقوق الشعوب نابعة من عقلية ونهج وتربية تغرق بالعنف والاجرام والمتاجرة بكل شيء من اجل الوصول إلى الهدف.
عنوان لمسلسل امريكي جديد دراما واسعة ومهنية تتناول جانبا مهما من جوانب وحقيقة الحياة ضمن مجتمع امريكي لم يعد يملك الحد الادنى من الاسس التربوية الاساسية لخلق مجتمع حضاري وانساني راق. لقد اختلط الحابل بالنابل وأصبح الاجرام والعنف هو سيد الموقف والهدف هو الربح وتخزين الاموال وليس مهما كيف ولماذا.
مارتن بيرد وزوجته ويندي وابناهم شارلوت وجونا عائلة امريكية تعيش في شيكاغو، الاب محاسب والام تعمل بالحقل السياسي، تدفعهم الظروف من اجل تحقيق الكسب المالي والحفاظ على برستيج الحياة الارستقراطية وخاصة الاب مارتن الى التورط مع عصابة تجار مخدرات، وذلك مقابل نسبة جيدة من الأرباح. مهمتهم القيام بعملية غسل اموال وهي نهج وممارسة شائعة لدى كل تجار المخدرات وتجار السوق السوداء.
تجبره مساحة عمله وحبه للمال على البحث عن مساحة اوسع بعد ان عقد صفقات مع أضخم كارتيلات المخدرات في المكسيك ايضا. وعلى امل ان ينهي مهمة غسل الاموال خلال بضعة أشهر ويعود ثانية إلى بيته وحياته العادية.
ولكن للأسف تتعقد الامور وتبدأ عملية الغوص بالوحل أكثر فأكثر وكل ذلك على حساب الحياة الاسرية السليمة وهداة البال والعيش الرغيد.
يعرض المسلسل بصورة مدهشة ومشوقة حقيقة تشعب وتوسع أذرع العمل بمجال كارتيلات الإجرام التي تغري البطل بتبيض مئات ملايين الدولارات. شيئًا فشيئًا تتصاعد وتتشعب الأحداث بهذه الدراما وتتعمق هوة الغوص بوحل هذه القاذورات، وخاصة بعد أن يتعرف مارتي الأب على عائلات الإجرام بهذه البقعة الجديدة الصغيرة على ضفاف احدى البحيرات وهي مدينة اوزاركس، التي تتحول ومع وصول عائلة بيرد وانخراط الصبية روت ابنة لعائلة إجرام بهذه البقعة، ضمن الإشراف على مشاريع ونشاطات عائلة بيرد الاجرامي، نادي للعراة والعمل على فتح كازينو واستخدامه في عملية غسل الاموال التي مصدرها أكبر كارتيلات المخدرات المكسيكية.
تتداخل أحداث هذه الدراما بعضها ببعض حتى يصعب على المشاهد تتبع مجرياتها والتدخلات المتعددة فيها وتتحول إلى بحر هائج الامواج على ضفاف هذه البحيرة الهادئة، ولم يسلم منها اي شيء إنساني من كاهن الكنيسة إلى المريض النفسي شقيق ويندي بيرد زوجة مارتن التي تبحر عميقًا بلجة هذه الدوامة من الإجرام والعنف، حتى أنها كانت مستعدة بأن تضحي بسعادة عائلتها وتشارك عصابة الإجرام في قتل اخيها الوحيد والمريض بين، والذي كان ذنبه الوحيد أنه شعر بالخطر من جراء هذه الحياة وحاول ان يقنع الاولاد شارلوت وجانا بالابتعاد عن هذه المحرقة والهرب من أجل البحث عن أفق وحياة بشرية مسالمة وطبيعية.
بطبيعة الحال هذه الدراما اتسمت بالمهنية الراقية من خلال المزج الدرامي وتصاعد الاحداث وكاست راق وقادر من كادر ممثلين، كل ذلك بتحريك وإدارة مخرج مبدع استطاع بمهنية عالية ان يوصل الرسالة والهدف: عندما يتحول الانسان إلى عبد للمادة يتحول إلى مجرد حيوان مجرد من العواطف وأبسط القيم الانسانية السوية والتي تعارف عليها البشر فيما بينهم.
هذه هي رسالة الفن الأساسية: التحريض على هذا الواقع المأساوي ومحاولة البحث عن حلول منطقية للعيش الحر الكريم بعيدًا عن الغرق في بحر الإجرام لأنه بحر متلاطم الأمواج نهايته السقوط والدمار وتحطيم كل القيم الاجتماعية والإنسانية.
نجحت هذه الدراما حسب اعتقادي بإيصال الرسالة بأمانة وهي تعكس حقيقة وتركيبة المجتمع الأمريكي الحالي والذي لا يبحث إلا عن الهيمنة والاغتناء بصورة سريعة حتى ولو على حساب تحطيم قشرة هذه الحياة الإنسانية.
وهذه أيضًا رسالة من المخرج والقيمين على هذه العمل الفني للإدارة والمسؤولين في البيت الأبيض: الاهتمام بوضع البنية الاجتماعية لهذا المجتمع وعدم الخرق بافتعال الأزمات الخارجية وغض الطرف عما يجري بالداخل. وكان المخرج واضحًا ومباشرًا في طرح آفاق وأبعاد ما يخلفه عالم الإجرام من إسقاطات على المجتمع والعائلة. واحدى اشارات هذه السقطة هو بان يتحول جوانا ابن الـ12 إلى وكيل لشركة المخدرات التي تديرها روث ابنة الـ17 وتتشارك هي ودارلين التي تملك اكبر مزرعة للخشخاش ومن ثم مصنعا لعدة اصناف من الهيروئين المصنع من اجل تحقيق المزيد من الربح والثراء. الدراما واقعية ومنطقية لمن يعرف تركيبة المجتمع الامريكي وعدم الاهتمام الا بجني الربح والثروة على حساب أبسط حقوق وإنسانية الإنسان.
إضافة تعقيب