ما أشقّ تلخيص الجمال الكثير في كلمات قليلة، وأصعب الحديث عن الشّعر الجيّد بنصّ رديء، وتجميد الحياة كلَّها على رأس دبّوس.
أما الحياة التي يصعب تجميدها فهي ملحمة كازنتزاكس المُسمّاة باسم جدَّتها الكبرى العظيمة “الاوذيسا” للجدّ الأكبر هوميروس. وأمّا الدبّوس ورأسه فهي أسطري هذه قليلة العدد.
والاوذيسا هي حكاية عودة “اوليس” من طروادة الى ايتاكا مدينته بعد انتهاء الحرب، وإعادة هيلانة الجميلة زوجة منيلاوس من أحضان باريس الجميل أمير طروادة.
وقد حدّثنا عنها هوميروس في ملحمته المكوّنة من أحد عشر ألف بيت من الشِّعر. حيث كانت الأقدار لاوليس بالمرصاد أثناء رحلة عودته الى الوطن.
لكن ملحمة كازنتزاكس فهي حكاية ما بعد وصول اوليس الى ايتاكا ولقائهِ بأبيه لابرتس وولده تليماك/تليماخوس وزوجنه الوفيّة بنيلوبي التي علمنا من هوميروس أنَّها كانت تنقض بالليل ما عزلته بالنّهار هربا من إلحاح الثُقلاء الذين طمعوا، بعد احتلال القصر في أن تتّخذ بينلوبي من أحدهم زوجا لها... فأعلمتهم أنّها لن تتزوّج إلّا بعد أن تفرغ من غزلها، ولات حين نهاية...
تلتقي الاوذيستان في محطّة وصول اوليس الى ايتكا فيفتك بالخُطّاب فتكا ذريعا مستعينا بابنه تليماك وتجدهُ حاضنته العجوز وسط الجثث مُلوّثا بالدّم فتأمر أثنتي عشرة خادمة، مِمَنّ لم يثبت اخلاصهنَّ بإزالة آثار المذبحة، ثمّ تأمر بعد ذلك بشنقهنّ...
من هنا يتناول كازنتزاكس حبل حكايته، حيث يُسْقِط الكتابين الثالث والرابع والعشرين، لينتقل بنا الى لقاء اوليس ببينلوبي...
أمّا الزوجة فتفرغ من منظر زوجها، بينما يبحث الزَّوج في نفسِهِ بهجة اللقاء فلم يجدها، وفي أثناء ذلك تجتمع أرامل قتلى حرب طروادة، وآباء الخُطّاب المذبوحين، ليحضّوا النّاس على الثَّورة ضدّ اوليس.
يُحاول اوليس الاستعانة بابنه، لكن تليماك المُهذّب فصلت المذبحة بينهُ وبين أبيه... وقد وصل به الأمر الى حدّ التَّمنّي لو لم يَعُد هذا الجزّار الوحشي (اوليس) من طروادة...
يواجه اوليس النّاس وحدَهُ، موظَّفا ما يتمتّع به من حيلة ودهاء، صفات جُبلَ عليها، ينتصر ثمّ يعود الى سرير وحضن زوجته!!!
لكنّه ما يكاد يلج الى فراش زوجته حتّى تداهمه ذكريات أهوال ومغامرات رحلته، لِيُصْبح حنانُهُ الى الرّحيل والسَّفر يأخذ عليه أطراف نفسه بل سويداءَها، فينبو به مضجعُهُ ويخرج الى شاطئ البحر...
والمعروف أنَّ قِمَّة وعي اوليس في رحلته الثانية كانت بوعيه بدوره الانساني لمخلّص للعالم، فحاول عندئذ أن يبني مدينته الفاضلة!!! وهي ضالتنا في هذه الأيام الحمراء...
رشدي الماضي
إضافة تعقيب