news-details

التاج...!! دراما بريطانية من انتاج شركة نتفليكس العالمية | رياض خطيب

تمتد على مساحة ستة عقود من حكم الملكة إليزابيث، التي رحلت قبل مدة قصيرة.
منذ ان كانت بريطانيا المملكة التي لا تغيب عنها الشمس!
السياسة البريطانية كانت واضحة بالنسبة للجميع، التوسع والسيطرة على مقدرات وخيرات الشعوب، حتى تحولت مع الزمن الى تابع بدون قيد او شرط لسياسة الإمبريالية الامريكية.  وأكبر دليل على ذلك ما يجري الآن من حرب عالمية على الأرض الأوكرانية!

بالنسبة للغالبية كشفت هذه الدراما حقيقة اتخاذ القرار السياسي في هذه المؤسسة، فقد كان هناك اعتقاد سائد بأن الملكة لا تتدخل بالأمور السياسية، لا سيما الخارجية منها. فتكشف هذه الدراما، عكس ذلك، إذ أن الملكة كانت تستشار بكل ما يجري من قرارات سياسية داخلية او خارجية وذلك من خلال  جلستها الأسبوعية مع رئيس الوزراء بقصر باكنغهام  بحيث يتم اطلاعها على مجريات الأمور السياسية والموقف من كل قضية مطروحة على ساحة العمل السياسي..
مع تشرتشل ومجريات الحرب العالمية الثانية وحتى حرب العدوان الثلاثي على مصر، كذلك تكشف الدراما كيف كان التنسيق متواصلًا مع قيادة الكيان الإسرائيلي والهجوم على مصر وتأميم قناة السويس الذي ترك آثارًا سلبية على السياسة البريطانية الداخلية أدّت الى تنحي تشرتشل عن زعامة حزب المحافظين  بعد أن تأزمت الاوضاع الداخلية الاقتصادية...
الجديد والمميّز في هذه الدراما، هو ما يجري خلف أبواب القصور الملكية من أحداث ومجريات حياة العائلة المالكة وتمسكها  بأجندات تمتد على مساحة قرون من الزمن ..ومن الواجب المقدس لدى افراد هذه العائلة التقيد بتسلسل الالتزام بقواعد العائلة الملكية بكل ما تحويه من شروط وإسقاطات  تجعل الفرد يضحي برغبته أن يعيش حياته كما يشاء،  تجت وطأة واجب الالتزام بشروط الحياة المتوارثة عن عصور مضت، ما يخلق حالة من الصراع  بين متطلبات ورغبات النفس البشرية بحرية الاختيار وبين كابوس وشروط العيش التي فصّلته الحياة الملكية لان الملك هو رئس الهرم للعائلة والرئيس الروحي للكنيسة الانجليزية....
وهذا يخلق مساحة واسعة من الصراعات والتناقضات كما كان حال الاميرة مارغريت الأخت الصغرى للملكة، وكيف أنها حاولت التحرر من عقدة الديباجة العائلية كي تتزوج بالرجل الذي احبت بالرغم أنه لا يستوفي شروط العائلة المالكة..!!؟
ومن أجواء هذه التناقضات، تولد دوامة من الصراع الداخلي والذي حتميته هو انفصال مارغريت عن زوجها  والعيش بحياة  تناقض القواعد  المتبعة وهي تحمل بداخلها غصة ما  وقد صارحت أختها إليزابيث بالأمر أكثر من مرة بدون اي فائدة أو نتيجة..
ومحور اسقاطات هذه الدراما  المميزة هي حكاية الاميرة ديانا، ودخولها بشكل اختياري  الى فلك الملكية وذلك من خلال لقائها بولي العهد تشارلز  بصورة عابرة وكيف تحولت بين ليلة وضحاها إلى "أميرة ويلز"  زوجة الأمير تشارلز الذي عيّنته الملكة حاكمًا لمقاطعة ويلز.
تحوّلت حفلة الزواج التي حظيت بها ديانا وزوجها الأمير تشارلز إلى علامة فارقة بتاريخ التاج البريطاني،  وتحولت ديانا، بسرعة البرق الى معبودة ومعشوقة الجماهير، ليس فقط من خلال جمالها الساحر بل بالأساس من خلال نهجها الجديد بالتقرب من الناس والتواضع،  فشكّلت علامة فارقة بتاريخ التاج وخلقت لنفسها هالة مشرقة بين الناس ليس فقط ببريطانيا بل أينما حلّت وتجولت في أرض الكومنويلث البريطاني الذي امتد على مساحة  واسعة للعالم الواسع.....
انجبت ديانا ويليام وهاري أبناء لها ولأمير ويلز الذي بدأ يكن لديانا حقد وغيرة مميزة وخاصة انه بدأ يتردد لإحياء علاقة قديمة له مع السيدة كاميليا زوجة أحد أعيان لندن وكانت هذه العلاقة القشة التي كسرت ظهر الجمل،  مما دفع ديانا للبحث عن صديق وعشيق لها  كما هو حال تشارلز.  أقامت علاقة مع جراح قلب من أصل باكستاني ولكن العلاقة لم تستمر طويلاً بفعل ضغط تشارلز وحاشية القصر.  وتحوّلت ديانا وحيدة تواجه زمرة القصر وبدأت تواجه حالة من الغربة والإهمال من قبل حاشية القصر وحتى الملكة.  فاتخذت قرارًا بالانفصال عن تشارلز وحصولها على قصر خاص ومبلغ مال ( خيالي) بنظر تشارلز ولكن من خلال مشاورات تدخل بها رئيس الوزراء جون مايجر تم  التوصل الى اتفاق وتحقق الانفصال كما تمنت ديانا!
ذروة تصاعد الحدث الدرامي كان حين أقدمت ديانا على إجراء لقاء تلفزيوني موسع مع تلفزيون "بي بي سي" البريطاني وتحدثت من خلال هذا اللقاء بشكل صريح عن تجربتها  ومن خلاله تم فضح خفايا وأسرار ما يجري خلف الأبواب المغلقة  لهذه القصور، مما سبب ارتباك وبلبلة لأفراد هذه العائلة وللملكة بالذات.
انفصال ديانا أعطاها مساحة من الحرية لم تحلم به في كنف العائلة المالكة سابقًا. وتجمعها الأيام بلقاء محمد الفايد أحد مشاهير وأغنياء بريطانيا من أصول مصرية. تحول من بائع عصير في أحد الأسواق الشعبية في الاسكندرية لواحد من كبار الأثرياء حول العالم! وتعرفت على ابنه دودو وأصبحت عشيقته المميزة بعد أن تخلى عن زواجه من عارضة أزياء مشهورة.
موت ديانا فيما بعد  إثر حادث طرق قاتل بصحبة دودو ابن محمد الفايد،  ترك اسقاطات على  نهج وتصرف العائلة المالكة بالرغم من ازدياد شعبيتها وحب الناس لها لأنها ابدت نهجًا مغايرا لنهج الارث الملكي، وتركت تساؤلا حول كيف ممكن أن يتحول الناس إلى عبيد لتقاليد وموروثات  لنهج ملكي مرت عليه قرون...
ويبقى السؤال الذي يساله الكثير من البريطانيين  هل ما زلنا بحاجة  لهذا النظام الملكي الآن في عصرنا هذا؟  وهل من المنطق أن يتكلف المواطن ودافع الضرائب البريطاني تكاليف هذه السلعة البشرية باهظة الثمن؟
انتاج ضخم مميز جدًا، مع استعمال المخرج لأسلوب "الفلاش باك" قبل كل حلقة ليلخص خلفية ما يجري أمامنا من أحداث..

للتذكير، تحية خاصة للكادر الفني وبالأخص لابن شعبنا الفنان سليم ضو على تجسيده بإتقان دور محمد الفايد في هذه الدراما.. ويبقى الفن الأصيل هو بوابة الحضارة الإنسانية الراقية. 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب