في أصقاع الأرض البعيدة رأيت أكبر جسر في العالم معلقا بين قمتين وغيمتين. على شفا الريح. في بداية الرحلة فوقه تشعر وكأنك دخلت الى بداية عالم جديد وتركت وراءك عالم الناس والدنيا وأخبار هذا العالم، الذي يسعى البعض فيه الى تدمير نفسه وحرق الجمال الرباني في بقعة جميلة من هذا العالم الكسيح الذي لا يساوي ذرة رمل واحدة في هذا الكون الكبير، الذي انطلق في سباق تكوينه منذ 14,5 مليار سنة ضوئية، ولا زال يتمدد ويُخرج ما في أبعاده من جمال وسحر هذا الخلق.
أنا حسبته في شذرات فكري التي جمعتها في لحظتي تلك وقلت لذاتي من ذاتي عله يكون الجسر الذي كتب عنه دانتي اليجيري في "الكوميديا الالهية" في طريق زيارته الى الأبدية الى جهنم أو جنة النعيم. دانتي أسماه المطهر أي الطريق الفاصل الذي ينتظر فيه البشر لحساب الدنيا والمصير على حافة سيف حاد. يتنقى كل فرد من شوائب حياته وخيرها وشرها ويعبر كل وحده امتحان الأبدية. إذا تنقى دخل الجنة ووصل الى انهار من كوثر ونور وعسل ونبيذ وحياة عشق خالدة. وإذا لم يستطع بسبب شروره وآثامه الكثيرة في العالم السفلي دخل النار وعذاب الآخرة يحترق بها الى الأبد.
نزعتي المادية لفهم هذا الكون أنه بعد الموت لا حياة ولا وجود والانسان يعود جسدا وروحا اذا اعتبرنا أن الروح تتبلور في الجسد وان الروح والجسد كينونة وجود واحدة. نعم الانسان هو أحد ابدعات تطور هذا الخلق، يعود في نهاية عمره الى عناصر بداية التكوين حتى تستمر طاقة الخلق في الكون الى الأبد على اعتبار الطاقة حقيقة لا تفنى وانما تغير صورها.
أعتقد أن الجمال والحب هنا وبداية البدايات ونهاية النهايات هناك أسفل هذا الجسر في طريق أخضر يشق غابتنا الأرض حيت تلتقي المصائر وتبدأ قصص الحب والموت. نشرب من نبيذ هذه الأرض الجميلة ونأكل من ثمارها ولو لقمة خبز واحدة من أول رغيف خبزته حواء هنا على الأرض، مغمسة بزيت زيتون مقدس حيت لا متاهات وفكر النهايات وحيث الحب حقيقة يكتب بحروف عشق راقية على جداريات القلب، وتعلمه نبضاته وبين النبضة والأخرى قبلة وعلاقة حب يرقص ملهوفًا حائرا بين قلبين. كما قال الفيلسوف العاشق عمر الخيام في رباعياته الخالدة:
أولى بهذا القلب أن يخفق
وفي ضرام الحب أن يحرق
ما أضيع اليوم الذي مر بي
ولم أهوَ ولم أعشق
نزلت من غيوم المطر وانطلقت ورفيقة روحي في سندس غابة ليس لها آخر يخترقها خرير نهر جبلي نقي يعزف لنا لحن العشق والوجود حتى غرقنا في جحيم من القبل على قارعة هذا الطريق الذي قطعناه وتركنا كل خواطر الحياة والزمن والبقاء وحلمنا أن القادم أجمل.
إضافة تعقيب