طارق عون اللـه شاعر فلسطيني مهجري، يعيش منذ سنين طويلة في مدينة الضباب لندن. وهو من مدينة الناصرة، ولد فيها العام 1942، نشأ وترعرع بين أزقتها وشوارعها وأحيائها وسوقها القديم، أنهى دراسته الأكاديمية للقب الأول بموضوعي الفلسفة والأدب الانجليزي في جامعة لندن، واللقب الثاني بموضوع العلوم السياسية، ثم درس الاخراج التلفزيوني والسينما المقارنة، وبعدها علم الحاسوب.
عمل في هيئة الاذاعة البريطانية، وصحافيًا في جريدة "الشرق الاوسط" و"الجارديان" اللندنية. وجمعته علاقات مع العديد من الشخصيات الثقافية والأدبية من الأقطار العربية، منهم الروائي السوداني الراحل الطيب صالح، صاحب الرواية المشهورة "موسم الهجرة إلى الشمال".
قرض طارق عون اللـه الشعر منذ نعومة اظفاره، ويعتبره هاجسه الدائم وحبه الأول والأخير، ونشر بواكير تجاربه الشعرية في أدبيات الحزب الشيوعي "الاتحاد" و "الغد" و "الجديد". وحين كان في الوطن جمعته علاقات طيبة مع الكثير من أعلام الشعر والأدب في هذه الديار كسميح القاسم ومحمود درويش وتوفيق زياد وسعود الاسدي وسواهم.
صدر له في مجال الشعر: "أغنية إلى المقاومة، طائر الزغب، والطريق إلى الصبح".
تنهض قصائده بوظيفتها الجمالية، وشعره هو لسان الجماعة، وينطق بمكنون الهم الانساني والوطني العام، مؤسسًا لفنه ولغته ومفرداته من تلك المفردات ذات الإيحاء والبعد الذي يشترك فيه كل الناس البسطاء المقهورين والمظلومين. إنه يصدح بقصائد غنائية جميلة دافئة تأخذ بمجامع القلب والروح، متعددة المعاني، واضحة الدلالات والمغزى، رقيقة وناعمة، مكثفة صادقة، ينعدم فيها التكلف، وتنساب كلماتها مموسقة عذبة.
طارق شاعر مسكون بحب الوطن، مرتبط بالمكان، وعلاقته بمدينته الناصرة، التي عانق نور الحياة فيها، هي علاقة عضوية، علاقة التهام والتحام معًا، ولنتأمل في هذه القصيدة التي جادت بها قريحته وفاضت بها روحه، وهي قصيدة في غاية الصدق العفوي والتعبيري والجمال الحسي، يتغنى بها بالناصرة التي يشتاق لها وتشتاق له، فيقول :
يا ناصرة يللي بدونك شعري ما عرف الحياه
يا ناصرة يا ملتقى الاحباب! يا حبل النجاه
يا ناصرة يا معقل الابطال في وجه الطغاه
ظلي معي غنوة محبة هايمة فوق الشفاه
.........
قالوا : الوطن! قلت الوطن يا ناصرة غالي اكيد
وانتِ الوطن عمري، وفرحة طفل بالثوب الجديد
ولما الوطن بُخْطُر على بالي، وانا عنّو بعيد
بسقي حنيني دمع، بلكي الدمع عَ الغالي يفيد
...........
يا ناصرة يَمّ الوفا! يا انقى من معدن ذهب
انتي النّخا، وانتي السّخا، يا روحي يا عز الطلب
اسمك نغم سبّح معي، صلي معي، وحبك وجب
في قلبي ضوّيتي مشاعل من حنين ومن لهب
............
ببعثْ سلامي للاهل، ببعثْسلامي للصحاب
بالريح، لتل وسهل، للشيخ بدموع السحاب
ولندن تقوللي : عَاَمهِل خليكْ عنّا بهالرحاب
واحكي حكاية موشحة بالشوق لربوع الحباب
................
راجع انا يا ناصرة لحبنا الماضي الجميل
للقفزة، للطور الحلو، لليل للشعر الاصيل
بلكي بغنّي "عَ الوتر" انغام حلوة تستميل
بلبل طربْ، شاعر ادبْ بعتز بيه كل الجليل
وهذا الشاعر الذي يعنيه طارق في نصه هو أمير القصيدة العامية المحكية الشاعر الأديب سعود الأسدي (أبو تميم)، و "ع الوتر" هي الزاوية التي كان يكتبها سعود في صحيفة "الاتحاد" أيام الجمعة في منتصف التسعينات من القرن الفائت.
كتابات طارق عون اللـه حافلة بانبلاجات الرومانسية الوجدانية، ذات ملامح وابعاد انسانية، عابقة برائحة الوطن والطين والعشب، فيها حب وحنين للوطن وترابه، وانحياز للإنسان المظلوم، وفيها وجد كبير لناصرته واصدقائه الابرار، وتتجلى فيها العاطفة الجياشة، ومقدرته التعبيرية الابداعية، وثقافته الانسانية الاصيلة، ومواقفه الوطنية التقدمية التي تنتصر للطبقات الشعبية الكادحة، للفقراء والمسحوقين.
طارق عون اللـه يحمل هموم وعذابات شعبه وأمته، يتتبع كل صغيرة وكبيرة عن بلاده ومدينته ملعب صباه، فقلبه لم يغادر ولم يبرح هواها، فيعيش الآلام والأحلام والأفراح والأتراح، ويجعل من الهاتف الذكي وشبكات التواصل الاجتماعي بساط الريح الذي ينقله
إلى رحاب الوطن في أي لحظة، ويجعل قصائده طائر الشوق ومرسال الهوى الدائم الهائم، فلنسمعه يقول :
في الساحة البعيدة المخبأة
في السوق كان لي مملكة وصولجانٌ
وكنت أجمعُ الأحلامَ..
كي أبني مدينة فاضلة
يجمعها الحب..
فلا طفل يجوعُ..
أو امرأة تُهان
ولا يخون الزوج زوجةً..
ولا يحكم في مدينتي جبانٌ
وكنتُ كلما اوغلتُ في الاحلام.
أو ضاقت بي الساحةُ
صرت مثل من مَستّهُ..
أيدي الجان
وفي طريق الفجر..
في دوامة المكان والزمان
أخطأت حين اختَرتُ..
غير موطني مكان
لغة طارق عون اللـه الشعرية تتميز ببساطتها وسلاستها، غير معقدة، بلا غموض، سهلة الفهم، ينتقي كلماته ومفردته التي تنسجم مع الايقاعات الشعرية، ويُخْضِع كلماته للمعاني الشعرية. فهو شاعرٌ جزلٌ، جميل الاسلوب، ولألفاظه الرونقً الخاَص الذي تألفه النفس، وفي شعره موسيقى داخلية ذات وقع وايقاع جميل، إنه يلائم بين جمال اللفظ، وبساطة المفردة، وبين نمطية المعاني المألوفة، والاحتفاظ باللغة في جمالها.
إضافة تعقيب