news-details

المجموعة الشعرية «ما زلتِ ربيعي» لنزيه نصرالله:  توظيف موتيف الورد كترميز في عددٍ كبير من القصائد| د. منير توما

إنّ الحب موضوع قد احتكره من قديم الزمن أهل الأدب من الشعراء والروائيين والقصاصين ، فخاضوا التأملات العذبة والأخيلة عن الحب والمحبين ، وقدّموا لنا الحبّ وكأنّه سرّ الهي يتضمن شتى الانفعالات العادية وغير العادية التي قد يخفق بها قلب الإنسان . وهكذا نرى الأستاذ نزيه نصرالله في مجموعته الشعرية «ما زلتِ ربيعي» حين يحدثنا متغنيًا بالحب ، فإنّه ينبض بالحياة ويفيض بغبطة الحياة ، فتبدو الحياة جميلة ، رقيقة رائعة ، ساحرة من خلال عيني الحب الذي يرتفع بنا جاعلًا من أحلامنا ، وأفكارنا ، وآمالنا ، ومقاصدنا ، وغايتنا قد أصبحت جميعًا ذات معنى بحيث نقول عندها إنّ الحب هو مركز الحياة ، ومنبع السعادة والقيمة وجواب على أشكال الوجود الإنساني .

إنّ الأستاذ نزيه نصر الله يتناول في قصائد مجموعته الشعرية هذهِ موضوعات تتحدث عن ربيع الحب ، ومرض الحب ، وخطيئة الحب ، وجنون الحب ، وجمال الحب ، فلا يلبث أن تربط لغته الشعرية الحب بالجمال ، وتنتزع تجربة الحب من محيطها العادي ، لكي تسمو بها فوق المستوى البيولوجي والاجتماعي ، لتصبح فيهِ غانية شاعرنا ملكًا سحريًا لا ككل النساء ، وتصير فيه تجربته الخاصة خبرة فريدة في عالم الحب ، معتقدًا أنّه العاشق الأوحد ، أو أنّ عشقه نسيجٌ وحدَهُ. وممّا يسترعي الانتباه في مجموعة الأستاذ نزيه نصرالله أنه يتخذ في العديد من قصائد هذه المجموعة من الورد موتيفًا ظاهرًا حيث يتجلّى ذلك في القصائد «سيّدة الورد - أحبيني» ، «سنابل عمري تموجُ كعذارى» ، «سيّدة الغيوم والأمطار» ، «أنهاري .. أَجهضتْ نجومها» ، «جمعية الرفق بالأقلام» ، «شموع عُمْركِ» ، «لوحاتي عتيقةٌ .. كسنين عمري المركونة» ، «وطنٌ ذهبيٌّ .. يسكُنُني» ، «لأجلكِ أُقَدِّسُ الورد» . وهنا لا بُدَّ لنا من التعرّض لموتيف الورد في هذه القصائد من حيث الرمزية الكامنة وراء مفهوم ومعنى الورد وما يمثلّه في كل قصيدة .

يقول شاعرنا في قصيدة «سيّدة الورد - أحبيني» ، : أُجَدّدُ عرشَ الهوى .. في قصور الياسمينِ أُعطّرُ سماءَ الوردِ .. برحيقِ بَسْمتِكِ فقط .. يا سيّدةَ الورد أحبيني! (ص8) إنّ الورد هو رمز مركّب للغاية ؛ إنّه متناقض ومتأرجح ككمالٍ سماوي وعاطفة هوى أرضيّة ، وفي هذهِ القصيدة نلمس رمزية الورد كتمثيل لزهرة الآلهة الأنثوية ، فهي الحب ، الحياة والخلق ، الخصب والجمال وأيضًا العُذرية . وحين نأتي الى قصيدة «سنابل عمري تموجُ كعذارى» نلتقي بموتيف الورد حيث جاء في النص :

 

أنا يا سيّدتي

تُسَيِّرُني في إِثْرِكِ الروحُ لا الشهوةْ

ولا أحُجُّ ديارَ الوردِ

إلّا إذا قَتَلَتْني شهوةُ تقديسِ الوردِ

وأنتِ هالةٌ من قداسةٍ .. وأكليلَ حبق ٍ

في ساعديكِ .. تموجُ سنابلُ عمري

كعذارى قصورِ الملكاتِ

على أنغامِ شفتيكِ

إذ تتورد .. أو تُصلّي . (ص15-16)

 

إنّ هذه الكلمات من القصيدة تمثّل ترميزًا للورد بكونهِ زهرة النور ، البراءة ، والانفتاح والإنكشاف الروحي . وفي كلمات شاعرنا هنا نفحات صوفيه تعكس طهارة الهدف ونقاء غاية الحب . وبانتقالنا الى قصيدة «سيّدة الغيوم والأمطار» نجد أنَّ الورد هناك يرمز إلى الحياة والموت والى غموض الحياة ، فاضمحلال الوردة يمثّل الموت ، الفنائية والحزن ، وهذا ما توحي بهِ الكلمات التالية من هذه القصيدة :

 

تعلّمتُ في مدرستِكِ

سيدتي

أنّ الوردَ .. لا يُهدى لحبيب ٍ

فالوردُ .. إنْ قطفتُهُ ماتْ

فكيفَ أُهدي مَنْ أُحِبُّ .. وردًا ماتْ ؟ (ص20)

 

أمّا في قصيدة «أنهاري .. أجهضتْ نجومَها» ، فإنّنا نرى رمزًا للورد بوصفهِ تمثيلًا لمركز قلب الحياة والجمال غير المعروف ، لكن أيضًا يرمز الى الشهوانية والحسيّة والى الرغبة . والاقتباس التالي من القصيدة يشير الى ذلك :

 

تتفتّقُ باهتةً بشائرُ القلبْ

كيف تنتظرُ أحلامُ الوردْ

يدَ العابثين وأغبياءَ هذا الزمانِ المُنحَلْ ؟ (ص24)

 

وبقراءتنا لقصيدة «جمعية الرفق بالأقلام» نأخذ النص التالي :

 

أنا يا سيّدتي شرقيُّ السماتِ

تجدينني مُعَلَّقًا .. في جبينِ الوردِ

أُجاري حالَ الوردِ .. بأبراجِكِ العاتيةِ

أنا شاعرُ العشقِ

مِن زمانِ ما قبل أشور وكلدانْ

أوجعٌ قلمي حُبًّا .. ليكتُبَكِ زهرةَ بيلسانْ (ص26-27)

 

تتمحور رمزية الورد في هذا النص حول كونهِ تمثيلًا للزمن والأبدية معًا ، كما أنّه يرمز الى الربيع الأبدي ، والهوى والإبتهاج .

في قصيدة «شموع عُمركِ» ، يتضِّحُ لنا ما للورد من رمزية خاصة تمثِّل الإكمال والتحقيق ، كذلك ترمز الى القلب ، الرب ، الأمل وتكامل الشخصية ، بالإضافة الى أنّه رمز للمحبوب . وفي هذهِ المعاني يقول الشاعر :

 

كيفَ لا

وأنتِ زوجةٌ .. من ورود ٍ معطّرة ٍ وأعيادِ

وشموعُ عمري .. تُحّرِّرُني

مِن عبوديتي الشرقيّة .. بلا ميعادِ

تختلجُ أيامُكَ حُبورًا

في سنابلِ عُمري! (ص34)

 

أما النص التالي فهو من قصيدة «لوحاتي عتيقةٌ .. كسنين عمري المركونة» حيث يقول شاعرنا :

 

لوحاتي عتيقةٌ .. كسنين عُمري المركونة

هاربةٌ مِن رباطاتِ قيدها

انتزِعْني أيُّها المستبدُّ

من قيودِ الوردِ .. مُتقنةِ الإحكامِ

رسوماتي القديمةُ ساذجةٌ .. مُتعَبةُ الوَرَع ِ

أنجدني .. من تسَلُّق ِ ياسمينها

فوقَ جدرانِ حُنجَرَتي! (ص37)

 

يتمظهر لنا الورد هنا رمزًا للبعث والملأ الأعلى ، علاوةً على كونهِ يرمز الى المستحيل وصعوبة الحصول على الهدف المنشود والتحرُّر من الأهواء المرتبطة بالإغواء .

وفي قصيدة «وطنٌ ذهبيٌّ .. يسكُنُني» يُعَبِّر شاعرنا عن الورد باعتباره رمزًا للألم والحزن والأسى ، وفي الوقت نفسه رمزًا لوحدة الأضداد حيث تبدأ القصيدة بالسطور التالية :

آخرَ أغنيةِ عشق ٍ .. ردّدها الربيعُ بفَرَح ٍ

مُنذُ باعَ عطرُ الوردِ .. دمعَهُ الحزين

لصخبِ مجرى النهر ِ الغريبِ

ذاكَ التاريخُ المُتيَبِّسُ صار ذكرى (ص43)

 

وفي القصيدة قبل الأخيرة التي تحمل عنوان «لأجلكِ أُقَدّسُ الوردَ» يختم شاعرنا حديثه عن الورد كموتيف في هذه المجموعة الشعرية فيقول :

 

كلُّ الكلماتِ تُخْتَصَرُ في وردة

وكلُّ نفسِ عاشق ٍ ..

مُستحضرٌ من عطر ِ ورد ٍ

فيا قَصْرَ الورودِ .. احتويني

ويا ورودَ الملكاتِ اغمريني

فإني لأجلِكِ قدّستُ الوردَ

فكيف للآن – لم تُدركي قلبي المتورِّد؟ (ص68)

 

في هذا النص ، يتم اختزال خلاصة الرمزية للورد كموتيف في هذه المجموعة الشعرية ، فمن هذه الكلمات الأخيرة في القصيدة يشكّل الورد رمزًا لمركز قلب الحياة ، ونقطة الوحدة ، كما أنه للصمت والسكون والسرّية والهوى . إنّه زهرة ﭬينوس ، ودم أدونيس والمسيح ميثولوجيًا ، كذلك يمثّل الورد رمزًا للتعقُّل والحذر والمركز التصوفي .

وأخيرًا وليس آخرًا ، فإن هذه المجموعة الشعرية للأستاذ نزيه نصرالله إنّما تشكِّل نموذجًا يتسِّم بالسهولة والبساطة لدراما الحياة البشرية تضطرنا دائمًا الى أن نحب لنعيش ، فإنّ أحدًا منا لا يريد أن يستغني عن هذا الضروري الذي كثيرًا ما أشار إليه شاعرنا تلميحًا وترميزًا بالورد تمثيلًا للحب ، والحياة ، والخلق والجمال ، فلشاعرنا العزيز كل التقدير والاحترام مع اطيب التمنيات بموفور الصحة وبالمزيد من التوفيق والعطاء .

 

 

كفرياسيف

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب