(إلى روح الرّفيق ديب أبو عقل الذي خلّده الموتُ فينا، في عصر الثّاني من حزيران 2023، فانفردَ بصمت تحت ظلِّ شجرة الحزب، واضطجع على جذعها وغفا، فبقي فينا إنسانًا شيوعيًّا خالدًا)
غافلَنا في سويعات العصر الحارّة ليوم الجمعة، الثّاني من حزيران لهذا العام، وانطوى تحت ظلّ شجرة الزّيتون الوارفة الواعدة بموسم الخير العميم القادم. استرق خطاه كنسمة نشتهيها في العصر القائظ، وكتمَ أنفاسَ التّرابِ الموشّى بأوراقِ الشّجر اليابسة، أسندَ ظهرَه إلى جذع الشّجرة وأرخى أجفانَه المتثاقلة، وغطَّ في قيلولة العصرِ ليصحو في الغياب.
حمل رايته الحمراء، منذ نعومة أظفاره، ومضى هاتفًا لحقّ الشّعوبِ بتقريرِ مصيرِها، للسّلام والمساواة والعدالة الاجتماعيّة، ولأخوّة الشّعوب. وعندما انزوى تحت شجرة الزّيتون، غرزَ عصاها في التّرابِ، إلى جانبه، لتظلَّ ترفرفُ فوقَ رأسِه، فيا أيُّها المشيّعونَ، ارفعوا الرّايةَ فوقَ رأسِهِ وأنتم تسيرونَ بهِ محمولًا على أكتافكم، لقد تمسّكَ بها حتّى إغماضه الأخير، تحت ظلّها الوفير.
جاؤوا إلى البحرِ كالملحِ، وذابوا به بهدوء العاشقينَ. لقد حَمَوا الماءَ وما فيهِ، ليظلَّ نقيًّا صالحًا للعيش تطغى فيه روحُ الحياة على روائح الموتِ الكريهةِ. في بحرِ الكفاحِ ذابوا، يثورونَ موجًا هائجًا لاطمًا مائجًا. أولئكَ الرّفاقُ القُدامى كالبحر، الثّائرونَ على الظّلامِ كالفجرِ، ينسلّونَ من لهيبِ الشّمسِ إلى جذعِ الشّجرةِ، في قيلولتهم الأبديّةِ، عندَ العصرِ.
أنتم جداولُ هذا البحرِ، تَجرونَ بينَ ضفّتينِ تحضنانِ سعادتَكم وعطاءَكم ونضالَكم. من كلّ صوبٍ تتدفّقونَ، تصبّونَ خيرَكم فيه، وتصبحونَ بعضًا من ملامحه الإنسانيّة العميقة، تُمسونَ جزءًا من عائلته الأمميّة الصّديقة، تَبيتونَ الكلَّ الذي يجمعُ النّاسَ، كلَّ النّاسِ، في بيتِ الصّداقةِ الكبيرِ الكبيرِ.
الرّفيق ديب أبو عقل، إنّ الذي ينتمي لهذا الحزب، وينتسب لهذه الطّريق، ويحمل هذه الرّاية يبقى ما بقي الحزبُ، وما بقيت الطّريقُ، وما بقيت الرّايةُ الحمراءُ، تظلّونَ ترفرفونَ فوق رؤوسِنا كفاحًا، وهتافًا، وشعارًا، لأنَّ الظّلمَ لا يدوم طالما يثورُ ضدَّه الثّائرون، ويجمعونَ حولَهم مَنْ يُقاومون، وفي ذلكَ البحرِ الهادرِ كالملحِ يذوبون.
إنَّكَ أيُّها الرّفيقُ، إنْ غادرتَنا بهدوءِ المتواضعينَ الشّامخينَ الذينَ يرفضونَ الانشغالَ بهم عن مواصلةِ مسيرةِ تدفّقِ الجداول الدّائمة نحوَ البحرِ، قد تركتَ بيننا روافدَ عديدة تجري إلى جدولِكَ الذي لم ولن ينقطع عن الجريانِ، فلا تقلق على منسوبِ البحرِ وملوحتِه، يا ملحَ البحر!
سننقل مكانَك الذي اعتدتَ أن تشغلَه في البيت إلى القلب، لا حاجةَ لأن تزورَنا بعدَ اليومِ لتطمئنَّ علينا، لأنّكَ ستبقى ساكنًا في قلوبِنا، وقلوبُنا أوسعُ من جميعِ الأمكنةِ، لا تضيقُ بالأحبّةِ أبدًا، تنفتحُ أمامَهم، وتحضنهم، وتتّسع بهم مهما عظمت مكانتهم.
كفرياسيف - 4/6/2023
إضافة تعقيب