news-details

امرأة الطحين | نيروز قرموط

يذوب الطحين رمادا بين أصابعها النحيلة، رماد الأحبة رغيفا مشتهى، تعجن براحتي أكفها أقمارا، لم تكن تعلم أن جوعى أقمارها يستشهدون بينما يحملون أكياس الطحين إلى لجنها، لجن النزوح، تلطخ البياض بالدم. وكانت سؤالا واحدا للأمومة. كبرت الفتاة على فجأة. ذاب الوالدان بين اكفها وخبزت أقمارها لصغار أمومتها المبكرة. ذهبت عنها ولادة طفولتها. رحمها الصغير ينجب خيمة تتسع لكفيها الصغيرين، معا يعجنان.

لم يدور القمر مفتاحا في باب خيمة، كان يدور في عينيها عبر الثقب الصغير، ويلوك بين أسنانها رغيفا لم تخبزه بعد.

مواء القطة إليها سؤال جوع آخر، تغمض عينيها، الطنين يحمي وحدتها وإن كان مرعبا، ووهج النيران يؤنس بردها الخجول تحت رداء الظلام الدامس. 

تجدل ضفيرتيها ابنة الأحد عشر عاما، حنظلة صغيرة وحنظلات كثر يقفون خلفها، يضفرون معها الجديلة جوابا للجوع.

على الرمال يسدلون مائدة مشتهاة والدم خلفهم يسيل، لكنه الصبار ينمو حولهم، ينزعون الشوك عنه، يأكلون ويزينون ضفيرتها بشوكه، يرونه جميلا.

يدور القمر وسط البلد، ويختفي دوّار السيارات والناقلات والشاحنات، حجارة .. حجارة .. وعلى الحجارة يرثي الظل المواء.

يدور الأمل خيارا في حدقتيها، يضمر خداها، وتتقشف يداها، ملابس ممزقة، لا حذاء يخبئ قدميها.

لكنها والرمال تسير، لمدينة مشتهاة، لبحرها. سرقوا الموج والزبد ودفء العائلة على شاطئ.

تدور الشمس وهجا على خصال شعرها، لم تغسله بماء الطحين، غمرته ومياه البحر واستقت بين شفاهها ملوحة ارتشفتها على كتفي والدها.

كورال ناعس ييقظ قلوب أطفال ضائعة. 

 هل صنع المستشفى بأسّرته ملجأ لهم، وغابت سيارات الإسعاف في ظلام بعيد تنتشل هياكل لم تمت عنها ابتساماتها، وذاب عنها دهنها.

والد حي على رأس تلة من رماد، يصرخ عاليا "وجدت لك قميصا يا ابنتي!" والطفلة تنتظر الهدية.

يقتل الوعد والحب والسمسم، يحرق الزيت والزعتر، والأرض تسقى بالدماء والرجال لحاها تبتل بالدموع. مازالت الطفلة الأم الصامدة، تقف على ناصية الصبار وتزرع في ضفيرتها شوك أطفالها.

طائرات ورقية تزين وحدة حالهم في أرض قريبة بعيدة.

شاشات تلتقط الرماد والألوان والأصوات خبرا، لكنها الجثث لم تحزنها كفاية. حتى تقفل بثها وتفتح عزاء أخيرا لا يحمل مزيدا من ضحايا الطحين، وزارعي الشوك في ضفيرة تائهة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب