news-details

تريبليون! حكاية كفاح ومقاومة الشعب الإيرلندي للاحتلال البريطاني| رياض خطيب

حيثما وجد الظلم والاضطهاد نمت وترعرعت المقاومة! كرد فعل طبيعي من أجل تحقيق الحرية والعدالة! فمنذ خروج آدم وحواء من الفردوس وهبوطهم الاضطراري على هذه الأرض! بدأت رحلة المعاناة والتي تكللت بقتل قابيل لأخيه هابيل! ومن ثم بدأ رحلته القسرية على أديم هذه الأرض متنقلا وهائما على وجهه تطارده اللعنة ورائحة دم أخيه متنقلا من مكان إلى آخر! لعل وعسى تستقر به الحال وينتهي فصل معاناته!!!

تريبليون... دراما من إنتاج شركة نيتفلكس العالمية تلقي الضوء وتروي حكاية كفاح ومقاومة الشعب الإيرلندي للاحتلال البريطاني الجائر في مسلسل آخر من مسلسلات نهجها الاستعماري في  الاعتداء على حقوق ومقدرات الشعوب ومن مثلنا نحن أبناء شعب فلسطين من ابتلى وما زلنا نعاني من إسقاطات هذا الاستعمار الذي سلم بلادنا وأرضنا الطيبة لزعماء الحركة الصهيونية وقدمت لهم فلسطين على طبق من ذهب بعد أن دمرتها وحولتها الى ما يسمى دولة إسرائيل. وما زال مسلسل المعاناة يتصاعد بل يشتد يومًا  على صدر  يوم....

هذه الدراما تحكي وتروي مدعومة بالوثائق قصة كفاح الشعب الإيرلندي ومقاومته الباسلة لهذا الاحتلال الغاصب! حكاية شعب إيرلندة تتناقلها الأجيال المتعاقبة وهي تكشف حقيقة معاناته ومرارة هيمنة واستعمار للشعب ولخيرات هذه الأرض ولأهلها وناسها!!

بداية تم نقل هذه القصة بمهنية وجمالية وحرفية عالية من خلال  أفضل ما وصل إليه هذا الفن من أساليب إنتاج. وبطبيعة الحال مع كادر فني مهني ومميز من أجل إيصال رسالة وهدف هذا الإنتاج...! حركة (أو حزب) الشين فين ولد من رحم المعاناة ووضع لنفسه قيادة موحدة واستراتيجية واحدة وهي تحقيق الاستقلال وبناء الجمهورية الإيرلندية الحرة المستقلة والتخلص وللأبد من الهيمنة والاستبداد البريطاني...

لقد استنفذ وابتكر البريطانيون كل أنواع القمع والمطاردة والقتل والترهيب من أجل إخماد نيران هذه الثورة والتي واجهت ببسالة وبحنكة  كل أساليب القمع البريطاني، هذا ناهيك عن تعاملها مع كوادر من الخونة والجواسيس الذين ومقابل مصالح ذاتية تآمروا  مع المحتل في محاولة التجسس على ثوار الشين فين  ومحاولة إفشال وإخماد روح الثورة.

ما يميز هذه المقاومة ويحولها إلى قوة حقيقية تلجأ إلى كل الأساليب النضالية  بما فيها الكفاح المسلح، هو وحدة القيادة وتحت لواء قائد واحد ووفق أجندة موحدة ووحيدة هو دحر المستعمر وتحقيق الاستقلال.

صحيح أن هناك ابعادًا لصراع ديني وعقائدي، ولكن الزخم الثوري وشراسة المحتل في أساليب القمع والإرهاب جعل الصراع الديني يبدو ثانويًا، بل بالعكس فكما يظهر من خلال تسلسل الأحداث في هذه الدراما بأن رجال الدين (ولو سرًا) هم من أجل نهج الاستقلال والتخلص من الهيمنة البريطانية..

 

ظاهرة العمالة والعملاء  متجذرة بين أبناء الطبقات الأرستقراطية أصحاب المصالح الاقتصادية همهم الوحيد هو زيادة ربحهم ورفاهية حياتهم ولو على حساب أبناء شعبهم ووطنهم! وهذا ما يحدث لدى مقاومة شعبنا الفلسطيني، فالعمالة والعملاء هم ذراع ضاربة في اختراق رفاق الدرب وخيانة الوطن...

ما يميز هذه الدراما، وربما الثورة الإيرلندية ككل، هو دور المرأة كزوجة وربة بيت وأسرة، ولكننا نراها ومن خلال تسلسل أحداث الدراما تقف جنبًا إلى جنب مع الرجل في مواجه المستعمر، والاشتراك عمليًا في شتى أساليب المقاومة، ومنها المقاومة المسلحة.

أساليب القمع الإجرامية هي ذاتها أينما وجد الظلم، وتصاعدت وتيرة الثورة، الاقتحامات المباشرة لبيوت الناس، والتعدي على أبسط حقوق الإنسان بحرية عيشه وأسلوب حياته الخاصة، فنرى هنري المقاوم وزوجته ميري يواجهان بصلابة الاعتداء على بيتهما والاقتحام بشكل همجي وبدون سابق إنذار.

 أنا لست بحاجة إلى قاضٍ، فأنا هنا القاضي والمحكمة، وأقرر ما هو مناسب وأنفذه!! هذا كان جواب الضابط الذي حضر لاعتقال هنري بعد أن سألته ماري!!!

والأسوأ من كل هذا، هو بأنه كان يحق لضباط الشرطة والجيش ، ولهم الصلاحية المطلقة بتنفيذ إعدام ميداني بإطلاق الرصاص على المتهمين بدون أي محاكمات، بل بشكل ارتجالي ، وأمام أعين الناس وسمعهم، بإطلاق الرصاص المباشر.

تجربة الثورة الإيرلندية نقلها المخرج بكل أمانة وحرفية، واستطاع من خلال كادر مميز من الممثلين والممثلات، أن يحقق الهدف ويوصل الرسالة بكل حرفية وأمانة..

بطبيعة الحال هذه لم تأتِ من فراغ، بل هي ولادة اندماجها وسط الناس، ومن هم الناس للناس أيضا، فنحن وعبر مسيرة تتابع الحدث الدرامي نستطيع أن نتعرف على طبيعة حياة الشعب الإيرلندي بأدق تفاصيلها، بحيث يواكب زخم الثورة والمقاومة زخم الحاضنة الشعبية، ومن خلال ذلك نكشف عن علاقات إنسانية بكل ما تحتويه من إيجابيات وسلبيات الحب، الكراهية الرجولة والجبن الإخلاص والخيانة بكل أشكالها، وهي بالأساس تكشف وتفضح حقيقة الطبقة المخملية من أصحاب المصالح، وكيف يتحول الإنسان إلى عبد للمادة، ويتجرد من الحد الأدنى من الأخلاق والأعراف الاجتماعية المتعارف عليها بين الناس.

هذا عمل في غاية الموضوعية والمهنية أمين للرسالة التي بني عليها، مما يخلد ويشرف تاريخ هذه الثورة والمقاومة، وتكون عبرة ونبراس لثورات أخرى.

وأنا كابن لشعب يصارع الاحتلال عقودًا متتالية، علينا أن نختبر ونتعلم كل دروس حركات الثورة والمقاومة، لعل وعسى نستطيع أن نصل بشعبنا نحو طريق الحرية والاستقلال.

تحية لكل من ساهم بإنتاج هذه الدراما. ونتمنى أن تقوم شركة إنتاج نيتفليكس في يوم من الأيام بمساهمة في إنتاج مشابه يروي حكاية الثورة الفلسطينية التي تقف الآن بمفرق مفصلي، وعلى الأخص أمام نهج حكومة إسرائيل الأكثر فاشية وعنصرية من قيام هذا الكيان وحتى الآن...

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب