news-details

رجَّحَتْ كَفَّةُ الحُبِّ نَحوَهُ | مارون سامي عزّام

 

لا أريد القول أنّني أحببتها، لكن نظرات هذه الفتاة تلمع ذكاءً، كلامها اللطيف والمهذَّب معي أوصلني إلى درب الانجذاب الفوري، جرَّتني نحوها بخيوط جاذبيتها إلى مكان شاهقٍ بالتفاؤل... في تلك اللحظة الحارقة لم أنظُر إلى أسفل الخذلان... لم أفكِّر باسترداد ولّاعة اندهاشي منها، التي أشعَلَتْ في داخلي كومة تساؤلات عنها تحتاج إلى استنطاقها!!  

قالوا إن تركيبة فسيفساء خياراتها مُركَّبة غير واضحة، مفهومها لمبدأ الحب معقّد، تتحفّظ من إقامة علاقة مع كل شاب، لأنها قبل أن تقع في مصيدة قرارها، تراقب حركة جسده التي يجب أن تكون منضبطة، تلائم طبعها الغريب!!، لم أهتم لكل ما قيل عنها، فقط فكَّرتُ التركيز في الانطباع السّائد عنها، حتّى ضخَّموا النّاس مواصفاتها التعجيزيّة، التي بدأت تأخذ أبعادًا اجتماعية غير منطقيَّة، لذلك وددتُ أن أُطلق عليها أوّل رصاصة من ذخيرة جرأتي!! كتجربة أوّليَّة مع فتاة ادَّعى البعض أنها غير مُجرِّبة!!

تحرّكت مشاعري نحو الفتاة ببطء شديد، تقرَّبت منها خطوة افتتاحيَّة، لعلّها تفهم أنّي أريدها. تلك الفتاة التي تقاسمتُ معها لقمة الطفولة الشهية، قرأتْ خلفيَّة توجّهي العاطفي جيِّدًا، لأنها تعرفني منذ زمن بعيد، شاهدتْ تصاويرها في ذاكرتي، فاضطربتْ منّي عندما عرضتُ أمامها كلماتي في معرض البساطة، ورفضت حتّى التباحُث في الفكرة، لأنها بدأت تطرِّز خفيةً مع شخص آخر علاقة حب بصنّارة التفاوض، لا تقدر أن تتخلى عنها أو ترجئها، أبت أن تترجم لي بوضوح حيثياتها، فبقي كلامها مبهمًا.

لا يحقَّ لي أن أجبِرها لتكشِف عن هويّته. يومًا ما جاءني صديقي يبتسم ابتسامة خبث لم أعرف سببها... جلس صامتًا وعند شاطئ عينيه زبد حديث يُخرج رغوة وقوع حدثٍ مهم لمعت فيه مفاجأة ما... عندها قلت له: "ماذا بك تكلم؟!". بعد بضع دقائق من الشرود بشَّرني بشارته غير المتوقعة، وهي أنه ذلك الآخر الذي تفاوضه تلك الفتاة، مع أنها استطاعت إدخالي في غيبوبة رومانسية لبرهة من الزمن، ولكن لحسن حظّي عُدتُ عبر قنوات بأسي، إلى مقر حياتي اليوميّ بسلام.

صارت تمر بجانبي دون أن تلتفت إلي، كأنّي دميم المنظر، يا للهول، لم تعد إشراقة شمس المودة تطغى على وجهها، كسوف خجلها مني حجب نور حيويّتها عنّي، رغم هذا كله، فإن هذه الفتاة لم ترتدع من أن تشكوني إلى صديقي!... بل أعطته رسالة ليوصلها إليّ شفهيًّا، تدَّعي فيها أنها لم تعُد تحتمل مضايقاتي العشقية. إن ادعاءاتها له وهميّة، مجرّد محاولة بائسة منها لدق إسفين الخصام بيني وبين صديقي، لكنّه انصاع مرغمًا "لإرادتها السّامية"، لضعف حيلته أمامها، وأخبرني بفحوى شكوتها الكيديّة!!  

أجبت صديقي بهدوء تام: "أنا من جهتي كل شيء منتهٍ منذ زمن، لأنها رجَّحت كفة الحب نحوكَ... ولكن لماذا لم تخبرني من البداية أنك على علاقةٍ بها، لأفسح لك المجال؟! أتخاف أن أقطف عناقيد الإعجاب من كرمة حبكما، لأكرّرها في مصافي أهليّة هذا الحب المفاجئ، كي أجعل الناس يتذوّقون خمرها المُسْكِر والمعتَّق في خوابي السرية؟!! لا تخَف، لن أفعل ذلك، لأنّي لست واشيًا، فهنيئًا لكما، ولكن أنا متخوِّف من سُرعة قبولها لكَ، لرُبّما اتّخذَتكَ لإغاظَتي، لتُرمِّم كبرياءها الذي كَسَرْته لها"، لم يُجبني صديقي!!

لم أتوقع أن يكون حبيبها... لم أتوقع منه أيضًا كل هذا الكتمان، رغم أننا ما زلنا نجتمع سويًّا، كل واحد يقدِّم مبرِّراته، فنتبارز، لنختار الأقوى حجةً... يا له من صراع عبثي بيني وبين صديقي على قلب فتاة، وكأنه صراع بقاء على الحياة!، لم أُهزَم في هذا الصراع السَّخيف، بل خرجتُ منه دون خسارة معنويَّة، منتصرًا لكرامتي لأنها لم تعانِ من جروح العتاب، ورفعتُ منسوب رضاي إلى أقصى درجات التماهي مع تفكيري، ونَفَضتُ عنّي غُبار هذا الحب بسهولة، ولم تترك تلك الفتاة دمغة تأثيرها عليّ.   

ما زالت علاقتي بصديقي تسير في مسارها السّابق، ويعتبرني "روبين هود العصر"!! الذي يحمي الضعفاء في الحب من هجمات سارقات القلوب، اللواتي يسلبن عزيمتهم دون رحمة... باختصار شديد نكاد لا ننفصل عن بعض أبدًا حتى هذا اليوم، مثلما لا تنفصل النجوم عن كَبد السماء... وصلت علاقتهما إلى حد وضع البصمات الأخيرة على إبرام معاهدة الوئام النّهائيّة بين قلبيهما.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب