تتميز حروف اللغة العربية عن باقي حروف لغات العالم من حيث جرسها وموسيقاها ووقع صوتها على السمع، وكذلك من حيث انفرادها عن باقي اللغات بوجود حرف الضاد (ض) بها دون لغات العالم والذي بسببه أطلق على اللغة العربية الاسم: "لغة الضاد" هذا بالإضافة إلى وجود احرف بها ذات اصوات لا تجدها في لغات اخرى مثل حرف العين (ع) واحرف اخرى لا يمكن التعبير عنها في اللغة الانجليزية والعبرية واللغات اللاتينية بحرف واحد مثل حرف الثاء (ث) والغين (غ) والظاء (ظ) والخاء (خ) والذال (ذ) اذ لا يمكن التعبير عن هذه الحروف في هذه اللغات الا بإضافة علامات معينة فوق الحرف أو الجمع بين حرفين ليتسنى النطق بالصوت المطلوب مثل الذال th والغين gh وغير ذلك من الأصوات. أما الميزة الثالثة لهذه اللغة فتتصل بعدد حروفها التي تصل إلى تسعة وعشرين حرفًا (وليس ثمانية وعشرين كما يعتقد الكثيرون)، ذلك أن الحرف الأول في ابثتية (ا ب ت ث) اللغة هو همزة وليس ألف والالف الموضوعة تحت الهمزة هي "عصا" يستند عليها الحرف والحرف همزة هو حرف قائم بذاته والالف هي الالف الممدودة والتي يعبر عنها في درج أحرف الابثتية بلام الف (لا) ليسهل النطق بها ممدودة لفظًا كما هو الحال في الوأو والياء فنقول: "لا لو لي"، "ما مو مي" جميعها تلفظ ممدودة وتسمى حروف المد. وهكذا أصبحت اللام ألف (لا) هي الحرف التاسع والعشرون في اللغة. وقد استعمل العرب الحروف من أجل العدّ وبسبب ذلك اخذت الحروف الكُنية الابجدية (ا ب ج د) ومن هنا جاء العد الابجدي كما هو الحال باللغة العبرية حيث يمثل كل حرف عددًا فالألف هي واحد والباء اثنان والجيم ثلاثة-إلى آخره. ومن هنا جاء الاسم "الحروف الابجدية" في اللغة العربية وصار ترتيبها مخالفًا حيث نقول (ابجد هوز حطي قلمن سعفص كرشت) وزاد عليها العرب (فَخَث ضَظَغ) لتصبح ثمانية وعشرين حرفًا، ومن هنا جاء الاعتقاد الشائع بأن الحروف العربية ثمانية وعشرون دون الإشارة إلى الالف الممدودة اعتقادًا بأنها الحرف الأول في الابثتية.
زيادة على ما ذكرناه أعلاه، فهنالك حروف في العربية تحمل دلالات أخرى مثل حروف المعاني أي حروف النصب وحروف الجر وحروف الجزم وحرف النداء و(وأو رب) التي تجر ما بعدها وكذلك كاف التشبيه وكاف المخاطبة وياء المتكلم وتاء التأنيث والتاء الدالة على الفاعل والنا الدالة على الفاعلية كأن تُعرَب فاعل في قولنا "سَمِعْنا" ومفعول به في قولنا "سَمِعَنا" أضف إلى ذلك ضمائر الغائب المتصلة وياء المتكلم ونون النسوة ولام التعليل ووأو الجماعة. لقد لعبت بعض الحروف دورًا في افتتاحيات السور القرآنية من اجل "التعظيم" مثل: النون في سورة القلم "نون والقلم وما يسطرون" والياء والسين في سورة "ياسين" وألف لام ميم "الم" في افتتاحيات بعض الصور والحرف طاء في سورة "طه".
وهكذا فقد انفردت حروف العربية بهذه الميزات واستحقت الوصف الذي يتصدر عنوان هذا المقال "سحر الحرف العربي". كان بوسع حروف العربية أن تكوّن مفردات كثيرة من الفعل المجرد عن طريق الأفعال المزيدة والتي تصل في اللغة العربية إلى 12 مليون كلمة بين كلمات مستعملة ومهملة بالمقارنة باللغة الانجليزية فإن عدد كلماتها 600 ألف كلمة مما جعل العربية تزيد خمسة وعشرين ضعفًا عن اللغة الانجليزية.
لقد حظي الحرف العربي متمثلا بالخط العربي من حيث رسمه بمكانة عالمية جعلت اليونسكو تدرج الخط العربي في كانون الأول الماضي 2022 في قائمة التراث العالمي، ذلك ان حروف العربية التي تختلف بأشكالها يمكن كتابتها ورسمها بأشكال مختلفة تجعل منها لوحات ورسومات يصح تعليقها على الحيطان وعرضها في معارض عالمية في أكثر من بلد في العالم. وأطلق العرب على الخطوط أسماء مختلفة مثل: الخط الكوفي والنسخ والرقعة والفارسي والثلثي والريحاني والديواني والتي يصل عددها إلى سبعة أنواع. وقد عبَر كثير من الفنانين والرسامين والخطاطين عن ذلك برسم لوحات تصف انسانًا أو جمادًا أو حيوانًا أو تحتوي على قول أو حكمة أو مثل أو بيت شعري. ولا بد ان القارئ قد شاهد نماذج كثيرة كهذه في المساجد والمعارض والمؤسسات المختلفة والتي تنتشر في كل مكان.
وبمناسبة الحديث عن سحر الحرف العربي أورد في نهاية هذا المقال نادرة تتصل بالحرف عين (ع) هذا الحرف الذي قُلعت عينه فأضاء. تقول الرواية إنّ الشاعر أبو نواس كان قد دعاه الخليفة هارون الرشيد إلى مجلسه حيث مدحه وقال فيه شعرًا جميلاً إلا أن هارون الرشيد لم ينتبه إلى ما قاله ولم يستحسنه وانشغل عنه بجاريته الحسناء الجميلة التي تدعى "خالصة"، اذ في الوقت الذي كان فيه أبو نواس يلقي قصيدته كان الخليفة مشغولاً بتقليد "خالصة" عقدًا مرصعًا بالمجوهرات، الأمر الذي أثار ابا نواس ولم يرق له فخرج من المجلس غاضبًا وكتب على باب غرفة "خالصة" هذا البيت من الشعر:
لقد ضاع شعري على بابكم كما ضاع عقد على خالصة
وعندما علم هارون الرشيد بذلك استدعاه لمحاسبته على ذلك، وقد كان أبو نواس شاعرًا ذكيًا استطاع ان يعرف سبب دعوة الخليفة له فبادر قبل الدخول إلى الخليفة إلى مسح تجويف العين في بيت الشعر أعلاه فتحولت كلمة "ضاع" إلى كلمة "ضاء" ثم دخل إلى مجلس الخليفة. وعندما سأله الخليفة عمّا فعله، أنكر أبو نواس ذلك وقال: "لقد قلت العكس، اخرج ايها الخليفة لترى بعينك ذلك". ولما خرج الخليفة قرأ على الباب بيت الشعر:
لقد ضاء شعري على بابكم كما ضاء عقد على خالصة
عندها ضحك هارون الرشيد وقال لأبي نواس: "والله! يا خبيث لقد علمت أنك مسحت تجويف العين لكي تغير المعنى، وأنا معجب أشد الإعجاب بدهائك". ولأن الخليفة كان معجبًا أشد الإعجاب بذكاء أبو نواس أمر الحاجب بأن يكافئ الشاعر أبا نواس بكيس من الدنانير، فأخدها وغادر مجلس الخليفة.
إضافة تعقيب