news-details

طغيان الحب في قصائد مجموعة «وقالت وداعًا» للشاعر د. فؤاد عزّام د. منير توما

إذا كان أروع ما في الحب هو أنّه يلهب دفعة واحدة كل قوى الإنسان، فالمحب يفكّر في محبوبهِ بعقلهِ، ويحنّ إليهِ بقلبهِ، ويطلب الاندماج فيهِ بجسده، فقوى العقل والقلب والجسد تشترك جميعًا في عملية ابداع اسمها الحب ؛ وهكذا رأينا الشاعر الدكتور فؤاد عزّام ابن دير حنا الجليلية يكتب قصائد الحب المكثّفة القصيرة نسبيًا في مجموعته الشعرية الجديدة «وقالت وداعًا»، والتي أهداني مشكورًا نسخةً منها متمنيًا عليَّ أن اكتب تعقيبًا عليها أبدي رأيًا وانطباعًا فيما ورد في المجموعة من هذهِ القصائد، فتلبيةً لطلبهِ الغالي ارتأيتُ أن أتناول جانبًا من قصائد المجموعة التي تدور وتتمحور حول حب الشاعر للمحبوبة ورؤاه الحسيّة والعاطفية تجاهها.

وكما هو معلوم، فإنّه في عالم الحب ودنيا العاطفة توجد صورتان طبيعيتان من صور الحب هما: حب حسّي يفتتن فيه الرجل بالمرأة من حيث هي أنثى تتحقق له المتعة واللهو وإرضاء الحواس ؛ وهناك حب روحي يتعلق فيه العاشق بمحبوبة واحدة، يرى فيها مثله الأعلى الذي يحقق له متعة الروح ورضا النفس واستقرار العاطفة، وهو استقرار يجعل فتنته بواحدة تقف عندها آماله، وتتحقق فيها كل أمانيه. وفي قصائد مجموعة الشاعر د. فؤاد عزّام التي نحن بصددها نجد هذين النوعين من الحب يبثهما شاعرنا للمحبوبة، ففي قصيدة «في عينيك جمالُ النجوم» (ص7) نلمس الحب الحسي واضحًا، وتتضمن القصيدة هذه تناصًا حول قصة يوسف الصدّيق مع امرأة العزيز في مصر الفرعونية والواردة في التوراة والقرآن الكريم، والتي يظهر فيها محاولة اغواء المرأة للرجل حسيًّا، ونص القصيدة المذكورة يشير الى ذلك دون أدنى شك من حيث الشكل والمضمون والايحاء في كلماتها:

في عينيكِ جمالُ النجومِ

التي سبحتْ

في بحرِ عكّا وحيفا

وأنتِ تغنّين لتغوي الرجالَ

تغنين وتكذبينَ لتحظَيْ بيوسفَ

 وكانت تغني

وقالت بأنّي 

سرقتُ ابتسامتها من الموجِ

وأني رميتُكَ يوسفَ

في غياهِبِ الجُبِّ

واطعمتك الذئبَ

ومنكَ النساء حَملْنَ

وفسّرت أحلامنا زورًا لتحظى بنا

ومن حيث رمزية الكلمات في القصيدة، فإنّ المرأة التي يخاطبها الشاعر تمثّل المرأة المغوية (Femme Fatal)، أما الذئب فيرمز الى الشر والشراسة والعتّو.

واذا نظرنا الى القصيدة الثانية في الكتاب والتي تتلو القصيدة السابقة، فإنَّ قصيدة «لا أريد امرأة غيركِ» فإنها توحي بالحب الروحي عند الشاعر، فالمحبوبة عنده هي الهدف الذي بطلبه، والغاية التي يسعى اليها، والأمل الذي يرتجيه، والمعبود الذي يقضي عمره في محراب حبها، ولا يجاوزها الى سواها، حيث يقول في هذه القصيدة: 

تحمل عمري

كنتِ أنتِ أنتِ

والآن أنتِ أنتِ

وغدًا أنت

كنتِ أنتِ

ولا شيءَ غيرك عندي

ولا عطرَ سواكِ عندي

وحين كانتِ الدروبُ شوكًا

كنتِ أنتِ

كنتِ أنتِ

كنتِ النرجسَ وكنتِ الشّهد

كنتِ نهرًا وغيمًا

وماء العين كنتِ

وكل شيءٍ سواكِ سرابْ

وهنا يرمز النرجس الى حب الذات (Self-love) والى الخيلاء والزهو (Vanity) والى احترام الذات (Self-esteem) والى الاستبطان وفحص النفس (introspection). وهذه المعاني تجسِّد ما كانت تمثّله المحبوبة للشاعر. أما رمزية الشهد بالنسبة لما كانت له الحبيبة، فإنّها تعني الخلود "immortality" والولادة الجديدة له (rebirth)، كما ترمز الى الخصوبة الروحية "spiritual fertility" . وفيما يتعلق برمزية النهر في القصيدة، فإنّه يمثّل طريق الحياة أو ممرّ الحياة (the passage of life)، كذلك يرمز النهر هنا الى العالمين الصغير (microcosm) والكبير (macrocosm) وعالم التغيير في حياته مع الحبيبة. واذا أردنا معرفة ما يمثلّه الغيم في هذه القصيدة فإنّه يعني التلاشي والإضمحلال (evanescence) بقوة الحياة (life-force).

ومما ذُكِر آنفًا حول القصيدتين السابقتين، نرى أنّ الشاعر قد عرف كغيرهِ من العشّاق هذين اللونين من ألوان الحب، وعبّر عن احاسيسهِ ومشاعرهِ نحو ملهمته وذلك بحسب تكوينهِ وفلسفته في الحب والعشق. فالشاعر فؤاد عزام نراه في قصيدة «وقالت وداعًا» (ص 20) لا يروي ظمأ روحه، وغليل قلبه المتشوق الى الحب والعاطفة الصادقة:

وقالت وداعًا

تم سارتْ بلا دموعْ

لا استطيعْ ؛ وغَصّتْ

حروفي.... رويدَكِ

لستُ بقادر

كيفَ الوداعُ بعدما

كنّا «أليفين لا يروعُهما الذُعرُ»

وقالتْ وداعًا تم سارت

وفي عينيها حزنٌ دفينْ

وغصّتْ حروفي

ولم استطع قولًا

وصار الكلامُ أخرس

صارَ الكلامُ بلا كلام

ويُلَاحظ أنّ الشاعر يستخدم هنا – ولو بالنزر اليسير (نظرًا لقصر القصيدة) – الاستعارة (وغصّت حروفي)، والتشخيص (personification) أيضًا (وصار الكلام أَخرس)وذلك بعذوبة وشفافية لغوية فيها سهولة وبساطة اللفظ والمعنى. وهكذا احتار قلب الشاعر بين نوعَيْ الحب اللذين أشرنا اليهما في البدء، وتمزّقت قيتارته بين الوترين، فعبّر لنا عن خلاصة تجاربهِ، وعكس لنا مشاعره بحرارة، وقدّم لنا ذوب قلبه الذي أحبّ، وعانى. وممّا يسترعي الانتباه أنّ المرأة عمومًا تستولي على قلب ونفس شاعرنا، وأن يفتن بها الى درجة كبيرة معللًا ذلك بأنه لا يوجد سرّ أقوى من الحب عند المرأة، وأنه لا يوجد شيء أجمل أو أقوى من عالمٍ يوجد فيه قلب امرأة محبة عاشقة لحبيبها الذي يتوجب عليهِ أن يغمرها بالحب والحنان والفرح والأمان كما ورد في قصيدة «عطر الفردوس» (ص27):

المرأةُ عطرٌ من عطرِ الفردوسِ

حملتك حنانًا

فوق حنانْ

المرأة بوصلةٌ

للأيامِ الضائعةِ

حديقة عمركَ

حين تضيعُ

على نافذةِ الأحلامْ

المرأةُ حينَ العشقِ

تحِنُ

وحينَ الحُزنِ

تئِنُ

وحينَ القِّر تضمُكَ في القلبِ

عميقًا

وحينَ الحرِّ تكونْ

بردًا وسلامًا

فاغمرها حبًا وحنانْ

أغمرها فرحًا وأمان

في هذهِ القصيدة بثّ الشاعر مشاعره نحو المرأة التي قد يكون أحبّها، فتراوحت هذه المشاعر بين وضعها الإنساني وتعاطفه معها، وعرفانهِ بوفائها له من حيث كونها قد شاركته الحياة حلوها ومرّها كما يصوّره شعره في هذه القصيدة، ونستوحيهِ من الكلمات التي تجيش في صدرهِ.

مما تقدّم، نلمس في شعر الدكتور فؤاد عزّام، من خلال مجموعته «وقالت وداعًا»، الى جانب السلاسة والطبيعة والحرارة، أنّ الروح التي يعبر عنها هي روح جديدة شعورية، فهي مصنوعة من العاطفة التي تسرح في دنيا حرية الوجدان والتي تميل الى الفردية والتدفق الفني الذاتي المصحوب بالانفعال الهادئ الذي يحفّز فيه صورة المحبوبة التي يحبها الشاعر والحبيبة التي يتمنّى لو تمثّل هذه الصورة. فلشاعرنا الكريم أطيب التمنيات بموفور الصحة ودوام التوفيق والعطاء في عالم الابداع والثقافة.

كفرياسيف

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب