news-details

عاشق أون لاين في حُكم النِّسيان | مارون سامي عزام

قبل عدّة أعوام صارحتني أنّك معجب بي، يومها استغربتُ من صراحة حديثكَ معي، لأنّي أعرفُ مدى تحسّسك من مواجهة الفتيات بمثل هذه المواضيع، ورحتُ أتأمل ذهولي بصمت، فاعتليتُ سقيفة تفكيري، ولكنّي لم أجد الإجابة، واعتَبَرتُكَ تمازحني، فابتسَمتُ مسايِرةً لكَ، معتذرة منكَ بجواب منطقيّ ولطيف، لأنّي لم آخذ الأمر على مَحمل الجد. بعد عولمة الانفتاح بقيادة شبكة الفيسبوك صيّادة البشر العالميَّة، عادت وذكَّرتني بك، عندما أرسلتَ لي طلب صداقة ووافقتُ عليه. 

بعد قبولي صداقتكَ الافتراضيَّة، لا أدري لماذا وجدتُ ذاكرتي تسترجع مصارحتك القديمة، ربّما لأنّ منزلتي الشخصيَّة ما زالت تراوح مكانها، لم ترتقِ درجتها بسبب "طموحي" لمقابلة الأفضل؟!، آنذاك تركتكَ تدُور حول عقارب تضييع وقتكَ، ثِق أن لمّ شمل تعارفنا مجدّدًا أون لاين، لا يعني قبولي بشروط صفقة عواطفكَ التي قد تَعرضها عليّ!! 

لم يرعَ ذهنكَ خطوتكَ اليتيمة، لأنها كانت فوريَّة، غير مدروسة، فقط لتسد احتياجكَ لامرأةٍ ترعاكَ، من جهةٍ أخرى لم أكن شريكةً في رسمها، لأنّها تركتْ شِبه بصمة بالكاد رأيتها. كاميرا الاستلطاف التي أطلقتْ فلاش الإعجاب في كل مكان التقينا فيه، لم تُوثِّق ولا لَقْطَة لنا. لا شكّ أنّك رجل معرفيّ، لكنّك إلى هذا اليوم لستَ مثالي الأعلى لإقامة علاقة صحية. 

تطبيق وساطة التّواصل يُعيدكَ إلى شاشة هاتفي يوميًّا، لأشاهد عفويًّا منشوراتكَ، لكنّي لا أهتم بها... لا أريدكَ أن ترى بريق وجودي على صفحتكَ، أعلم أنّك تتابع تغيُّرات ملفّي الشّخصيّ المتواترة... تتابع تقلبات شكلي... تراقب "تقنيّات" تجميلي المطلوبة، أفعل ذلك مُرغمةً، متحايلةً على شكلي القديم المنفِّر، لأغدو بنظري على الأقل صيحة الجمال العصريَّة، ربّما ألمح عرَبة نصيبي قادمة نحوي.

قصصي القديمة مع بعض الشبّان ابتلعتها دوّامة الماضي، بينما بقيَ إعجابكَ مُضجَعًا على سرير الزّمن، نسيه عقلي، لذا لا تحلم بأبعد من ذلك! يتذكَّره فقط همس حنينكَ إليّ، أنا على يقين تام أنَّك تحاول حاليًّا استعادة تلك اللحظة، ولم تمحُها من ذاكرتكَ، جاعلًا محطَّة الأون لاين حجّة للتَّقرُّب منّي!! لأُعيد اليوم فتح علبة إعجابكَ، وهذا الأمر غير وارد لدي.

ورشة الزّمن لا تعمل أبدًا لصالحي، تطبَع على منتجات تجاربي صُوَر فشلي المزمن، وأبقيتُ إعجابكَ مصورًا على جدار التعارف القديم ليظلّ يفصل بيننا، ولن أسمح لإدارة العُمر أن تصدر أمرًا بهدمه، لأؤكِّد لكَ أني فعلًا تخطَّيتُ عتَبة تلك الفترة غير النّاضجة، كما لم أسمح بتمديد صلاحيَّة تصريح إعجابكَ الذي أدلَيتَ به أمامي منذ سنين، ألا يعنيكَ هذا الإجراء المثير؟!!

لو حل عيد الحب في هذه الأيّام، وأردتَ أن تهديني هديةً سأرفضها بلباقة، كي أعفي نفسي من دفع ضريبة حبّكَ لي التي ستفرضها عليّ حتمًا، لذا خلعتكَ بهدوء عن عرشي... أعلم أنكَ تتحسَّر على قناة عزوبيَّتي المفتوحة التي تبث مضامينًا سخيفة، رغم تذمُّري منها، لأنّها غير ملائمة لسنّي الذي تعدّى الأربعين، ولكن هذا ليس شأنكَ، ولا أريد إغلاقها أبدًا نكايةً بكَ، طالما أنا المسئولة عنها.  

منذ تمثيليّة لقائنا المبرمج على مسرح الأون لاين، سمحتُ لك أن ندردش قليلًا عبر المسنجر دردشات كانت معانيها مُكسَّرة... كلماتها إلكترونيَّة... جُمَلها التعبيريَّة جافَّة، معدومة اللهفة. كم أتعَبَني تركيب شريحة تفاهماتنا في عقلكَ، لكنّي نجحتُ، وأرجعتكَ إلى رُشدك ثانيةً، أفهمتُكَ هذه المرَّة أنّي لا أصلُح لكَ، ولم أعُد كما تتذكَّرني، لذلك قطَعتُ عنكَ جميع مَنافذ الأون لاين التواصلية. 

شكرًا لموقع الفيسبوك الذي أتاح لي فرصة إزاحتكَ إلى الأبد عن ساحة حياتي، بعد أن اعتقدتَ أنّكَ قادر على إعادة احتلال دهليز مراهقتي الذي أغلقته منذ ربع قرن... وأنتَ يمكنكَ أن تصنع من خامَة إعجابك بي نصبًا تذكاريًّا، تضع أمامه إكليلًا ورديًّا من الذِّكريات، لتختلي به مع نفسكَ، بَعدَ أن وضعتُ إعجابكَ تحت انتداب النّسيان إلى الأبد...

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب