ثقافة الكذب، إن كان لهذا ثقافة، تطاردنا في كل مكان. الكذب في أمتنا ليس درسا أو مساقا نتخصص به في مدارسنا وانما نتنسم دخانه الحارق الخانق في أجواء منازلنا وشوارعنا وحوارينا وفضائياتنا ومنصات إعلامنا!
لأننا كاذبون نسمي هزائمنا نكسات!
لأننا من أهل الرياء يكون اكرامنا للغير نفاقا في نفاق!
لأننا من حفدة مسيلمة الكذاب نقتل القتيل ونمشي في جنازته!
لأننا لا نعرف أن نكون صادقين ننضوي تحت ألوية المحاباة والمراءاة ومعسول الكلام!
في أيامنا هذه ونحن نشاهد ثيران التغيير تتناطح في حقول العرب وحلباتهم نجد الأكاذيب السياسية تتناسل وتتكاثر كالبكتيرية! في أجوائنا هذه يعلو صوت الموت على صوت الرشاد.
في تاريخ العرب يبقى الانكسار انكسارا لأننا قوم لا نتقن فن الانتصار! سألوا سيمون بوليفار الذي أنقذ وطنه فنزويلا من استبداد الاسبان بعد أن خسر المعارك المتتالية معهم:
"هل نأمل يا سيدي بالنصر بعد هذه الخسائر الجسيمة التي كبدنا إياها العدو؟" فأجاب: "إن فن الانتصار يكتسب من الانكسار".
يا لعار وخجل امتنا! هل تذكرون تكبيرات "الثوار" الليبيين في بنغازي وهم يمرمطون مفاخرنا ورموزنا القومية وذلك بتهشيمهم تمثال عبد الناصر؟! هكذا فعل أهل طشقند عندما أزالوا تمثال كارل ماركس من احدى الساحات ووضعوا مكانه تمثال تيمورلنك.. هكذا أحضروا سفاحا عاتيا لينتصب في ساحاتهم مكان رجل فذ وهب قيم العدالة والكرامة في العصر الحديث للبشرية جمعاء!
لن يجد "الثوار" أمثال صعوبة في إيجاد تماثيل بديلة لعبد الناصر، فبنغازي واخواتها من مدن العرب تعج بالسيافين السفاحين.. إن زيارة خاطفة للخليج تزودهم بما لا يحصى من أصنام البشر!
تهتز عروش هكذا ثوار يوم ينهض بيننا أمثال المصري العظيم (وليّ الدين يكنْ) حين امتشق القلم وصرخ في وجه السلطان عبد الحميد:
"لِأهُزّن بهذا القلم عرشك".
يا فرسان الكلمة والكلام.. لكم المنصات في كل زمان ومكان.. بكم ومعكم نتخلص من بناة الامجاد الكاذبة على ركام العباد.
إضافة تعقيب