news-details

لغة البكاء عند الرضيع | د.محمد حبيب الله

في الكتاب الذي صدر لي مؤخرًا تحت عنوان "كي تكون مثقفا" تطرقت الى آليّتين ضروريتين لكل انسان في حياته العملية واليومية، الأولى ضرورة أن يكون الفرد في المجتمع مثقّفا حقّا لا متعلما فقط. عليه ان يتحلى بثقافات كثيرة وعليه ان يذوّتها في نفسه لتصبح صفة من صفاته الشخصية وذلك لكي يستطيع التواصل والتعايش مع كل من حوله وتربطه فيه صلة شخصية او غير شخصية. وأشرت إلى ان هنالك فرق بين المتعلم والمثقف وان ليس كل متعلم مثقف وليس بالضرورة ان يكون الانسان متعلمًا لكي يكون مثقفًا. اذ ان المتعلم إذا لم يعمل بعلمه ويتصف بالثقافات التي وردت في الكتاب فلن يكون مثقفًا. مثال ذلك: "ثقافة حسن الجوار"، "ثقافة المسؤولية"، "ثقافة القراءة"، "ثقافة الصمت"، "ثقافة الشكر"، "ثقافة الحوار"، "ثقافة التواضع"، "ثقافة البر بالوالدين"، "ثقافة الإصغاء" و"ثقافة الإطراء" وقد وصلت هذه الثقافات إلى أكثر من ثلاثين ثقافة. والثانية ان يتقن الانسان بالإضافة الى اللغة الكلامية التي يتواصل بها عادة مع الغير، لغات اخرى هي: "لغة الجسد" و"لغة العيون" و"لغة الاشارة". وقد لفت انتباهي مؤخرًا أحد الاصدقاء إلى أن هنالك لغة أخرى ضرورية يصدرها الرضيع في الأشهر الأولى من حياته وعلى الأهل بشكل خاص تعلمها لكي يتم التواصل بواسطتها بين الرضيع وبين من حوله الا وهي "لغة البكاء".

إن لغة البكاء بشكل عام لغة معروفة يستعملها كل انسان في الحالات التي تقتضي البكاء، كأن يبكي على عزيز فقده أو حادثة كارثية حصلت معه أو بسبب وجع أو الم ألمّ به جسميًا أو نفسيًا. والبكاء في هذه الحالة ضرورة نفسية تجعل الانسان الباكي ينفس عن كربه أو حزنه بسبب ما ألمّ به. والبكاء في هذه الحالة نوع من التعبير يتفاوت في شدته بين الناس وعند الانسان نفسه والبكاء يريح صاحبه وصورة التعبير عنه تختلف عند الشخص نفسه أو بين الواحد والآخر وتكون بذرف الدموع أو إصدار أصوات باكية وكل ما يرافق ذلك من حركات جسمية. وكلنا يتذكر قول الرسول (ص) عندما مات ابنه ابراهيم حين قال: "القلب يبكي والعين تدمع على فراقك يا ابراهيم". في ما يلي سأخص الحديث حول بكاء الطفل الرضيع كما ورد في عنوان المقال. هذا الرضيع الذي لم تكتمل عنده بعد القدرة على الكلام من أجل التواصل مع من حوله. وقد وردت مقالات كثيرة حول هذا الموضوع وحول البكاء المرضي والوظيفي عنده والذي يعبر بواسطته عن حاجة جسمية أو نفسية. وتشير هذه المقالات إلى حقيقة كون الطفل في الأشهر الأولى من حياته يصدر أصواتًا تتفاوت في نغمتها وفي علوها وانخفاضها مستعملاً فيها البكاء ليعبر به عن حاجاته المختلفة.
إن بكاء الرضيع أداة للتواصل مع المحيط حوله، وقد تختلف نغمة البكاء عنده باختلاف الغرض الذي يريد التواصل به مع الغير. كأن يكون عطشانًا أو جوعانًا أو متألمًا جسميًا بسبب مرض عنده أو بسبب مغص وغازات وانتفاخ في البطن أو بسبب "الحفاظ" الذي يتلفع به وكونه متّسخًا أو مبللاً مما يضايقه. أو أن يكون الرضيع يعاني من سخونة شديدة أو من برد شديد أو بسبب شعوره بالتعب أو الملل أو بسبب رغبته وحاجته إلى الراحة والعناية به أو الرعاية أو المداعبة. أو أحيانًا لكي تحمله أمه أو أبوه ووضعه على الصدر. إذ عندها يستكين الرضيع ويرتاح وتظهر على وجهه علامات الرضى معبرًا عن ذلك بالبسمة الحلوة التي تزين وجهه أو الضحكة الجميلة الصادرة عنه. وهنالك حالات معينة يبكي فيها الرضيع وبشكل شديد وباستمرار يلزم الأم بعدم التهاون بذلك ووجوب اخذ الرضيع إلى الطبيب لفحصه ومعرفة سبب البكاء عنده اذ في هذه الحالة ربما يحتاج إلى علاج طبي وإلى تناول الدواء من اجل شفاءه. وفي حالة بكاء الرضيع يجب على الأم أو الأب او الكبار حوله معرفة قراءة هذه الرسالة التي تنبعث من الطفل وعليهم ان يعرفوا كيف يعالجونها وكيف يستجيبون للطفل من خلالها.

إن التجربة التي يمر بها الوالدان مع الطفل تعلمهما سببها وطرق معالجتها وتجعل الأهل يتجاوبون مع هذه اللغة من أجل التجاوب مع حاجات الطفل المرضية او الوظيفية ومن أجل معرفة أسباب بكاء الرضيع وطرق معالجتها.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب