news-details

مع الشاعرة سامية شاهين في ديوانها: رياحين على كتف الألق| د. بطرس دلة

أيها الأحبة أسعد الله مساءكم بكل خير وأهلا وسهلا بكم في هذا المساء الحافل لنتحدث عن ديوان الأخت سامية شاهبن ابنة عرابة جارتكم.

والحقيقة أنه لم تكن لي معرفة سابقة بالأخت سامية ومع ذلك كانت مفاجئة لي في قراءاتها الشعرية لأن الكلمات كانت تنساب رقيقة من شفتيها كما بوح العبير أو كما شهقة الياسمين، وكانت كلماتها حالمة بصوت عذب كما لو كانت تعزف على أوتار قيثارة سماوية بأنامل احدى آلهات الأولمب. فكانت محط أنظار جميع من حضر في تلك السهرة عندما لقيتها للمرة الأولى حيث أهدتني ديوانها رياحين على كتف الألق. تقول في الاهداء على الصفحة الأولى ما يلي:

نثرت حروف قافيتي فأطرب من بدائعه ربابا اهديكم ألحان حروفي تراتيل ناي تعطر لحظاتكم بباقات من الرياحين ينتشي بعطرها جميع من أحبوني فأنا أكتب الشعر لأسعد قلوب جميع العاشقين لأن شعري غذاء للأرواح

فما هو الشعر؟

الشعر هو أن تمسك الأبد من غرته كم لو مرّ في لحظة عابرة، وهو أن ترى الشتاءات كلها في انكسار حبة ماء، وهو أن يحمرّ وجهك كلما أشعلت يراعة قنديلها في مغارة معتمة. وهو أن تملأ من البرق سلة لعتم عينيك، وأخيرا هو أن تجدل من دخان لفافتك سيجارتك غيمة تمضي معها حتى آخر الوقت فوق منزلقات الكلام.

عندما قرأت ديوان الأخت سامية رياحين على كتف الألق شعرت أنني ازاء انسانة لديها الكثير مما تقوله ولديها ذائقة أدبية منفتحة تجيد اختيار الكلمات بشكل جيد وصحيح لأن الشكل الشعري ليس معيارا للشعر الحقيقي ولكنني ارجو ان اؤكد أن من لا يعرف بحور الخليل بن احمد الفراهيدي أي العروض لا يمكن أن يكون شاعرا ناجحا.

يقول أحد الشعراء: من منكم يستطيع أن يمنحني خبزي كفاف يومي ويأخذ مني طنا من الكتابة المزوقة والمعبأة بالفراشات والغزلان والأغاني وشعر البنات ؟! من يأخذ كل قصائدي ويمنحني بيتا لأقول أصبح لدي بيت! وشاعرتنا تتمتع بحس مرهق وذوق رفيع في اختيار الكلمات فتأتي مهفهفة جميلة متناسقة لتدخل شغاف القلو ب المتعطشة للكلمة الحلوة.

ان قراءة هذا الديوان والديوان الذي قبله وهو ديوان عناق الشموخ سيجد شاعرة رومانسية رقيقة الكلمات تقنعك بِأنها عاشقة للحرف الجميل والرومانسية هي نزعة ادبية ظهرت أكثر ما ظهرت في أدب المهجريين أمثال جبران حليل جبران وميخائيل نعيمة والياس عريضة وغيرهم. (قصة الجندي البدوي العائد الى البيت).

ان قراءة دواوين حبيبتنا سامية شاهين هي اعلان شامخ مفاده أنها عاشقة للجمال ولفن الكلمة الجميلة وقد قيل الكثير في الشعر والشعراء وتفنن النقاد في المديح والتجريح ومع ذلك ظل الشعراء يكتبون وسيظلون كذلك لأن الكتابة خاصة الشعرية هي انعكاس للروح على الورق.

تختلف لغة الشعر عن غيرها من فنون اللغات من حيث أنها ترقى بكلماتها الى المستوى الاستاطيقي (الجمالي) الذي لا يبلغه سواها ومن ثم كان تمييز الدلالة الشعرية على الدلالة غير الشعرية والتي تقتصر فيها اللغة على الاشارة الى الأشياء دون الدخول في تفاصيلها والغموض فيما يصف الشاعر ويتناول من المعاني ما يجب أن يكو ن النافذة السماوية للشعر حيث تتطلع منها الذات الى المجهول وتترامي الى الأشواق الخالدة فتكون في مأساتها حقيقة غامضة لا يقف عليها الفكر الا بثمن باهظ من الذكاء الذي تجتلي فيه الروح آفاقها العليا والشاعرية المطبوعة تكمن في اعطاء الدارج طابع الغامض والمعلوم صفة المجهول والنهائي دلالة اللانهائي في شبه احجية أشبة بالطلاسم المبهمة لتجعلك تفكر في السطور والكلمات وفيما وراء السطور والكلمات وقد تصل الى لحظة التجلي فتشعر بنشوة ما بعدها نشوة اذا ما وصلت الى ما كان قد حاول الشاعر اخفاءه.

يقول محمود درويش: القصيدة التي لا تنزف على أنامل القارىء مصابة بالأنيميا (فقر الدم) لذلك فهي لا تستحق القراءة ويضيف: ان العمل الفني الذي يسلم نفسه من أول معالجة ليس ابداعا.

ولما كان الوطن قد ضاع منذ عام 1948 وما زال ضائعا يغازله المحتل وتتآمر عليه الدول العظمى من امريكا وجماعتها من دول الناتو فان شاعرتنا اذ تكتب قصائد مثل سنابل الوطن ونداء الأرض متأثرة بالحق الفلسطيني الضائع الا أنها لا تنفعل وتثور بل تعالج الموقف معالجة هادئة تليق بشخصيتها الهادئة. هكذا نجدها في قصيدتها صروف الدهر وهي على مجزوء الوافر حيث تقول:

صروف الدهر يا وطني   تباكى القلب وانفطرا

يئن الطيف من بعد        يسيل ا لدمع منهمرا                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                            

فذا الصبار مجزوء       وطير السعد قد هجرا

كلوم القلب يا وطني       تعادي الحرب والبشرا

وتنتقل في قصيدتها بعنوان أعاصير الكروب بنفس اللهجة ونفس  الحسرة على ما فات حيث تقول  في مجزوء  الوافر:                                                                                                                                    وجابه يا سفين البحر جابه     أعاصير  الكروب عليّ ثارت

فنالت من عيون الورد طرفا     فقدت من ميأسمها فسالت

في صفحة رقم   50 تتحدث عن مرّ العيش مخاطبة ولدها قائلة:

وضاق العيش  يا ولدي      ومرّ السقم في كبدي

هشيم النار مشتعل        وحبل العزم كالرمد

هي الأنياب تفتكنا       تسلّ السيف من غمد

فهل تنسى المسجد الأقصى   الذي يهدده غلاة  المتطرفين  اليهود ويدنسون  ارضه ونحن  ما زلنا  نذكر  الشاعر  الكبير  عبد الرجيم محمود  عندما  جاء  الملك فيصل  لزيارة الأقصى  فماذا قال  له؟

يا ذا المليك أمام عينك شاعر     -  ضمّت  على كثر  الوجيعة  أضلعه

المسجد الأقصى أجئت تزوره      أم جئت  من  قبل الضياع  تودعه ؟! 

 فجاءت أغنيتها  مخاطبة  المسجد الأقصى  بقولها: لك يا أقصى  في القلب  منازل   /  وقناديل وشعاع حرية  /  في  القدس  يناضل /  لأجلك تصلي  النجوم والملائكة  / والصخرة ترنو المآذن / في  رحمك  نما الخشوع  / والسنابل / ذاك  الحنين على اروقة الأسوار / يمام سلام  وأعشاش حمام / وهتافات بلابل...  ألخ !

 وهي = لا  تنسى  القدس  عاصمة  فلسطين الأبدية  فتخصص لها قصيدة  بعنوان أيا  قدس على البحر المتقارب وهو فعولن فعولن فعولن فعولن فتقول:

يا قدس ثوري ولا تحزني وشدي  الوثاق على المعصم

فانت الصمود وفوق الغزاة وعرس  الشهيد بذا المأتم

ان صديقتنا الأخت سامية ياسين شاهين عاشقة للحب وعاشقة للحرف فهي تحب اللغة العربية لغة الضاد وتخصص لها أكثر من قصيدة هذا من جهة ومن الجهة الأخرى نجد لديها محاولة للكفاح، كفاح يثير فينا الرغبة في مجاراتها واعلان الثورة معها الا أنها لا تتطرف في مواقفها بل نراها تحافظ على هدوئها وسكونها في قصيدة نكبة الجيار من ديوان عناق الشموخ وتتحدث عن يافا المنكوبة وكيف حاولت وتحاول حكومات اسرائيل المختلفة تحويل هذه المدينة الى بقايا ما كان قبل عام 1948 فيافا تتحول لديها الى صورة ناطقة عن ضياع فلسطين ومعها ضياع كل الوطن الفلسطيني. ولكنها مع ذلك تحافظ على هدوئها ورزانتها ولا تستسلم لليأس والتشاؤم ولا تبالغ في السوداوية والتشاؤم ولا تميل الى الهرب من الواقع الأليم الذي يعيشه الثوار الفلسطينيون على الحق الفلسطيني الضائع وعلى كرامة الانسان لكونه انسانا. والقارئ لهذا الديوان سوف يلمس الجرح النازف الذي تقاسي منه شاعرتنا فلديها نضوج فكري واضح ودعوة انسانية لا تتنازل فيها عن الحق الفلسطيني ولا تبالغ في الرد على غلاة الصهيونية والمتطرفين أمثال بن غدير وغيره من المتطرفين الذين يزرعون بذور الشقاق والخلاف بين شعبي هذه البلاد.

أخيرا أقول:

يا أيتها المهرة العربية الأصيلة، أنت قارورة الطيب التي يفوح عطرها فتنتشي القلوب وتنبض بشرا، حبا، أملا، وجلنار عندما تكتبين كلماتك المنمنمة فأجد فيها الجرس الموسيقي الذي يتردد خجولا بين السطور، لذلك فان لغتك تغمر النفوس بما تحمله من عطر الياسمين وروعة الناردين. اذكري ايتها العزيزة أنه حيث يجتمع الحب مع الأمل هناك تكون الحياة فاذا ما امتلأت الكلمات بغبار الحياة فان الفن الحقيقي قي الكلمة الصادقة الجميلة كفيل بأن يمنع ذلك الغبار خلال لحظات القراءة و او الالقاء فيا أيتها العزيزة: لك الحياة!

كفرياسيف

حزيران 2022                  

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب