صدر حديثا ديوان "حصاد العمر" للشاعر "نظمات خمايسي"، وقد تصدر هذا الديوان مقدمة لطيفة ورد فيها: "احببت الشعر وانا تلميذ، وكنت احاول قرض ابيات من الشعر هنا وهناك، قرأت الادب العربي شعره ونثره وبعض دواوينه وقرأت القرآن وحفظت منه الكثير الكثير مما طوّر بيني وبين الشعر علاقة محبة". ويضيف وانه وبعد خروجه للتقاعد وجد الوقت الكافي في قرض الشعر وكتب قصائد في مواضيع عدة منها التهاني والمناسبات الدينية والاجتماعية وقد اشار الى ان الدوافع اعلاه كانت سببا في اخراج هذا الديوان الى النور وعلى رأسها عشق اللغة العربية وعلاقته الوطيدة مع معلمه وصديقه الدكتور محمد حبيب الله من خلال اللقاءات التي كانت تتم بينهما من خلال اجتماعات الاتحاد القطري للأدباء الفلسطينيين.
عند تصفح الديوان نجد فيه بابين: الباب الاول في المناسبات العامة والتي منها ما كنت أدعى اليها فأكتب فيها شعرا كما وشملت مواضيع الساعة فقد كنت اتفاعل معها وأنظم فيها.
الباب الثاني في الرثاء: رثاء من عزّوا عليّ من أصدقاء ومحبين ومن كان لغيابهم وموتهم أثر في فكتبت رثاء وفاء لهم.
أن المتصفح للمواد التي يحويها هذا الجزء الاول من الديوان " حصاد العمر" يجد فيه مواضيع كثيرة تتصل بكثير من نواحي الحياة التي نعيشها يوميا، مواضيع تتصل بالمناسبات العامة في المجتمع وقصائد في رثاء الاصدقاء والمحبين.
لقد أحسن وأبدع شاعرنا في كل ناحية عالجها.
امامنا إنسان يعشق الكلمة الحلوة ويُحسن التغني بلغتنا الجميلة، فتخرج الكلمات على لسانه مكللة بالمشاعر والعواطف الحقيقية والتي تختلف في وقعها على الأذن عن كتابة النثر في اللغة العربية. أمامنا ديوان يحتوي أشعارًا متعدّدةً أسلوبًا ومبنى وموضوعًا لقد أصبح هذا النوع من الشعر مألوف أشعارًا كتبت بروح الشعر الحديث الذي يطلق عليه عدة اسماء مثل اراد ذلك من اراد وأبى من ابى. شعر التفعيلة وقصيدة النثر والشعر الحر والشعر المرسل والتي لا ان المتصفح لهذا الديوان يجد تتقيد بوزن ولا قافية الا انه التزم في بعضها الاوزان الشعرية وشعر التفعيلة.
لقد طغى هذا النهج في كتابة الشعر في العصر الحديث على كثير ممن يكتبون الشعر ليس بالعربية فقط وإنما بالعبرية والانكليزية ولغات عالمية كثيرة وهو شعر نعته الشاعر الفرنسي بودلير: خروج من قواعد النُظُمِ التقليدية القديمة وتخلّص من القيود التي يفرضها الشعر الموزون المقفى او شعر التفعيلة الذي نهجته نازك الملائكة ويوسف الخال وغيرهم كثيرون من شعراء العرب يطلق عليهم شعراء الحداثة وكما يقول الشاعر عبد المعطي حجازي.
انا لا أنكر ان قصيدة النثر انتجت نصوصا جديرة بالقراءة تختلف في الاسلوب والمبنى عن المألوف بين الناس من أنصار الشعر العامودي التقليدي الموزون والمقفّى، وكما قال الشاعر محمد مهدي الجواهري حول قصيدة التفعيلة أن الشعر الحديث وخاصة شعر التفعيلة يبقى شعرًا طالما بقي فيه الوزن والموسيقى الشعرية، والشعر العامودي لا ينهد بسبب القصيدة الحديثة، هذه القصيدة التي طمت وعمت على الشعر في جميع لغات العالم.
لقد جاء هذا الشعر تماشيًا مع تيار الحداثة الذي ينتهجه العالم والذي اتسم بثورته على القديم الا ان النقاد اشترطوا على هذا الشعر ان تتوفر فيه المكوّنات الاساسية للشعر الحديث من حيث سلامة وحلاوة وطلاوة اللغة ومن حيث جمال الاسلوب وحسن التعبير عن المشاعر والاحاسيس والعواطف التي تقع على أذن السامع فيطرب لها ويهتز ويغوص عميقًا في المعاني التي ترمي اليها.
ان المتصفح لهذا الديوان يجد فيه ما يُسر النفس من أشعار نثرية وأشعار تتصل بالشعر العامودي وشعر التفعيلة لقد كان لي الحظ ان اراجع جميع ما كتبه واقترحت عليه تعديلات هنا وهناك تعديلات تتصل بالوزن الشعري والكلمة والايقاع والجرس الموسيقي وطريقة عرض القصيدة.
في هذا الديوان أشعار متعدّدة الاساليب تجمع كما ذكرت آنفًا بين القصيدة النثرية وشعر التفعيلة والشعر العامودي الذي لم يكن له نصيب وافر فيه لكنّه شعر مليء بالأحاسيس والمشاعر العاطفية ويحتوي على قصائد قيلت في أكثر من مجال، تنم عن شخصية تتفاعل مع ما يجري ويستدعي تجاوبا يعكس مشاعره تجاه ذلك.
لقد استوقفني في هذا الديوان اشعار حلوة جميلة في معناها ومبناها اذكر منها على سبيل المثال قصيدة "الحب دم يجري في العروق" صفحة 19:
أعطني الحب وخذ ما تريد
خُذ الشريان وخُذ حبل الوريد
فالبيت بالحب بيت سعيد
قالت العرب والرأي لها سديد
أعطني الحب وخُذ ما تَشاءُ
فالحب هناء والحب ارتقاء
وقصيدة "عشق العارفين عبادة" صفحة 49:
يا عين لا تفضحي ما كتم الهوى
نار تأججت كلما شط النوى
بَوْحُ العيون إذا الجفون تناعست
لواعج الصدر قد باح بها الجوى
وقصيدة "لا تخف رزء الليالي" صفحة 56:
اذا الليالي أماطت لك القناعا
فاحذر النذل ولو مد لك باعا
فلا تخف رزء الليالي وإن
صار ميدان الحمى عمداً مشاعا
اذا الأيام أدبرت وبانت كلاها
فكافح عن الحق ومُتْ عنه دفاعا
وخذ من أديم الأرض دوما فراشاً
وارق شامخات الحمى لا تنزل القاعا
وقصيدة غزلية تحت عنوان "نؤوم الضحى" صفحة 89:
نؤوم الضُّحى بعيد قرطها
قمر أضاء وذاك فرعها
بنت الدلال تليد مجدها
فاح عطر وفاح مسكها
ولم ينسَ الشاعر ان يضمن الديوان مشاعره تجاه شريكة حياته في قصيدة "شريكة حياتي" صفحة 94:
شريكة العمر زهرة الياسمين
عطرك الفواح نبت البساتين
لك في سويداء القلب معزة
يا دوحة الوادي وعبق الرياحين
أنت السعادة
لولاك ما طاب عيش
ولا لذ رشف البن في الفناجين
لقد استوقفني في هذا الديوان رثاء الشاعر لصديقه وصهره السيد "كامل عواودة"، هذا الانسان الذي عرفته انا شخصيا وكان يتميز بصدق المودة وسخاء الكف وحسن المعاشرة يقول فيه صفحة 146:
تسابقت في الحمى خيل وفرسان
وعلقت على الأستار أشعار وقصدان
يا ناظم الشعر لا تَبْخَلُ بقافية
من لي في النائبات قالها حسان
أسْلَمْتَ روحك للباري فتَساقَطَتْ حِمَمٌ
وتصدّعَتْ في الضحى أركان
ابا محمد انت للخيل فارسها
لما ترجّلت خلا بيتٌ وميدان
وختاما لا بد من كلمة حق في الديوان وصاحبه، فهو ديوان جمع بين الانواع المختلفة المتبعة اليوم في نظم الاشعار، من شعر عامودي قديم، الى شعر حديث على انواعه: قصيدة النثر وشعر التفعيلة. ان قراءة قصائد هذا الديوان تترك في النفس المشاعر الجميلة وتثير فيها العواطف والاحاسيس الحلوة.
إضافة تعقيب