لا شكّ بأنّ النرجسيّة مرض يجدر بنا معالجته. يا حافر الحفرة أقصر فكم من حافر يصرع في حفرته ومن لاعب الثعبان في كفّه هيهات أن يسلم من لسعته "الإمام الشافعي".
النرجسيّة تعني أن يحب الإنسان نفسه لدرجة التيه، وللمرتبة الّتي لا يرى فيها على الأرض سواه. يتميّز عن الآخرين ويمشي في الأرض مرحًا، ويضربها برجله قائلا "يا أرض احتدي ما عليك حدا قدي" لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، يستهتر بمن حوله بأقوالهم وأفعالهم ويعيب عليهم كل تصرف ناسيًا أو الأصح متناسيًا هذا القول: "ما طار طير وارتفع إلاّ كما طار وقع!" فحذارِ من خبطة قويّة تدحرجك أيها النرجسي إلى أسفل السافلين ثم تأمّل ما قاله الإمام الشافعي رضي الله عنه:
تموت الأُسد في الغابات جوعًا
ولحم الضأن تأكله الكلاب
وعبد قد ينام على حرير
وذو نسب مفارشه التراب
جميل أن يحب الإنسان ذاته، فنكران الذات جريمة بحق الإنسان، لكن ليس لدرجة الوله، وليس إلى الحدّ الذي يرفض به أي نقد يوجّه إليه، ولا إلى مستوى اعتبار نفسه أسمى من البشر، لا يخطئ ولا تعتريه الشبهات، هنا وهناك يرتدي قناعًا واقيًا يحميه من ارتكاب الأخطاء، ثم ينظر إلى الناس بعنجهية، وكأنهم نملٌ على الأرض.
النرجسيّة مرض نفسي يجب معالجته فعلًا لدى أطباء أخصائيين بعلم النفس قبل أن تستفحل حالة المريض ويصعب علاجها، لأنها قد تنبت كذلك في كل مكان بين الأخوة الأشقّاء بين الزملاء بالعمل وبين الطلاب. والنرجسيّ يوّد لو كان بإمكانه أن يمتلك العالم بيديه ويأبى أن يمنح منه شعلة يتقاعس عن فعل الخير، ولا يهمه إلاّ ذاته ومن بعده الطوفان. والمصاب بهذا المرض لا يخفي عن محاوريه وبجلسة واحدة يضاق ذرعًا منه فالأنا تضرب أطنابها في حديثه، ينتقد الجميع وهو وحده الذي لا يُخطئ، كأن الناس كلّها عيوب وهو وحده المثالي الخالي منها. ولو شرَحْناه لما وجدنا سمة إيجابيه فيه.
"لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عورات وللناس ألسن"
مرضى النرجسيّة يعانون من عدم التقّدم لأنهم يرفضون النقد الَبنّاء، ويهاجمون من ينتقد أخطاءهم ولا يعترفون بما يقترفونه، بل تبقى ملازمة لهم يكررون الخطأ ولا يعملون على تقويم اعوجاجهم والاستفادة من نقدهم، ولو كانوا أصحاء من مرض النرجسيّة لاستفادوا من النقد الأوّل، وحّسنوا بعد النقد الثاني ولما احتاجوا للنقد الثالث.
ومع ذلك فليس كل إنسان قد أحب نفسه يكون نرجسيًا، جميل أن نحبّ ذواتنا، ولكن من القبح أن نصل الى درجة النرجسيّة.
إضافة تعقيب