هآرتس- 11/6/2020
قرار الحكم الذي يلغي قانون المصادرة هو شهادة عجز سيئة لجهات انفاذ القانون، وهو يظهر كيف أن ادعاءات الدولة خلال السنين كانت سحرًا زائفًا. واذا تم تطبيق خطة الضم فإنها ستفجر المعقل الاخير للتبريرات الإسرائيلية لسلوكها في المناطق وستسمنا جميعا بالعار
قرار المحكمة العليا الغاء قانون مصادرة الأراضي الفلسطينية هو لائحة اتهام شديدة ضد سلوك الجهات الإسرائيلية الحاكمة في الضفة الغربية. قرار الحكم الاصلي الذي كتبته رئيسة المحكمة العليا، استر حيوت، يستعرض تاريخ مشروع الاستيطان ويعرض عري إسرائيل امام العالم. فهو يعرض إسرائيل كمن تتصرف بشكل مخادع وكمن لا يجب الوثوق بأقوالها ووعودها.
المحكمة العليا طرحت في قرار الحكم كيف أن ادعاء إسرائيل الذي بحسبه هي تتصرف حسب قوانين الاحتلال الحربي، ليس سوى ذر للرماد في العيون. الدولة رسخت السيطرة على المناطق بذريعة أنها تتصرف حسب قوانين الاحتلال الحربي، أي لفرض الامن في المنطقة ومن خلال الاهتمام بالسكان الثابتين الذين يعتبرون سكان محميين.
قرار الحكم يستعرض كيف عملت إسرائيل من اجل الدفع قدما بمشروع المستوطنات من خلال خرق فظ للقانون الدولي، وكيف عملت من اجل تعزيز سيطرتها على الأرض – سيطرة تتظاهر بأنها مؤقتة، لكنها فعليا تتفاخر بتثبيت حقائق من خلال حركة مستمرة باتجاه سيطرة مطلقة ودائما، مع التنكر للسكان المحليين والمس بحقوقهم.
الرئيسة حيوت تطرقت إلى ذلك في بداية قرار الحكم. "على مدى السنين كانت السلطات الإسرائيلية مشاركة بهذه الدرجة أو تلك في اقامة المستوطنات في المنطقة... جزء من الاستيطان في المنطقة أقيم بصورة غير قانونية على أراض لم تعد لذلك. وفي حالات معينة على أراض خاصة يوجد لها اصحاب فلسطينيون"، كتب في القرار. لبنة اخرى يتم ذكرها هي البيانات حول حجم الأراضي التي خصصت للفلسطينيين إلى 1625 دونما منذ العام 1967، مقابل 450 ألف دونم من أراضي الدولة في مناطق ج، التي خصصت للإسرائيليين منذ منتصف السبعينيات وحتى منتصف سنوات الألفين.
هكذا أيضا مفهوم "املاك حكومية"، الذي تستخدمه الدولة لمصالحها، يحوي في ثناياه أراضي بملكية فلسطينية أو توجد علاقة ملكية لفلسطينيين لم يستطيعوا تحقيقها. هذا لأنه لم يكن في المنطقة في أي يوم سجل أراضي كامل وشامل، والتسجيل بخصوص أراضي فلسطينيين كثيرين ضاع. الامكانية التي كانت قائمة في فترة الانتداب البريطاني وفي فترة الحكم الاردني لتسجيل الأراضي قامت إسرائيل بالغائها بعد احتلال المناطق.
الصورة التي تظهر من قرار الحكم هي شهادة عجز شديد لجهات انفاذ القانون في إسرائيل، ومن بينها المحكمة العليا نفسها. وربما، الاخطر من ذلك، أن هذه الصورة تظهر بأن فكرة سلطة القانون في المناطق التي تم احتلالها عن طريق الحرب والتي تقوم الدولة في توطين مواطنيها فيها، هي سحر زائف - ثلج دافئ.
تشجيع الانحراف عن القانون
المحكمة قللت من استخدام القانون الدولي في قرار الحكم. قرار الحكم ارتكز على القانون الإسرائيلي الاداري الذي يسري على من يخدمون الإسرائيليين. مع ذلك، معظم القضاة قرروا بأن فرض قانون الكنيست على منطقة تقع تحت الاحتلال الحربي، يثير صعوبات غير قليلة، ولا يخلو من الشكوك. والمحكمة أكدت على مكانة الفلسطينيين في المناطق كسكان محميين، وكمن حسب القانون الدولي، يجب حماية ممتلكاتهم الخاصة.
المحكمة اشارت إلى المس الواضح للقانون بحقوق اساس رئيسية. هو لم يتعامل فقط مع حق الملكية، بل أيضا مع حق المساواة وكرامة الانسان. بمعنى فيه أن القانون يمس بحقوق السكان الفلسطينيين الذين يجب أن لا يكونوا مقموعين من قبل السلطة الحاكمة. القانون يحابي السكان الإسرائيليين (المقصود فعليا اليهود) على حساب السكان الفلسطينيين.
اضافة إلى ذلك، القانون لم يصمد في اختبار الغرض المناسب. بشكل عام تشريع الكنيست لا يجد صعوبة في تجاوز هذا الاختبار – لذلك، السؤال الرئيسي هو هل هذا التدبير التشريعي الذي تم اعداده لغرض مناسب هو متناسب أيضا. معظم القضاة اعتقدوا أن الغاية الاولى من القانون هي أن يشرعن بأثر رجعي مستوطنة غير قانونية بنيت على أراض ليست أراضي دولة، ليست غاية مناسبة لسببين.
الاول لأن الشرعنة بأثر رجعي لبناء غير قانوني يمس بسلطة القانون ويوجد فيه ما من شأنه أن يشجع على تجاوز القانون. ثانيا، لأنه ليس بالامكان تبرير مصادرة فعلية لحق الملكية سوى لاغراض عامة، وغاية عامة كهذه لا توجد في حالة مصادرة حقوق فلسطينيين لغاية اقامة مستوطنات إسرائيلية وتوسيعها.
أيضا الغرض الثاني، اعطاء رد على ضائقة المستوطنين الذين قاموا بالبناء استنادا على موافقة الدولة، غير جدير. هو في الحقيقة يمكن أن يؤخذ في الحسبان بخصوص المستوطنين الذين عملوا بحسن نية ومن خلال الاعتماد على السلطات. ولكن لا يمكن أن نرى فيه غرض مناسب بخصوص مجمل المستوطنين، ومنهم الذين عملوا بدون حسن نية أو بدون اعتماد معقول على سلطات الدولة، في حين أن القانون يسري بدون تمييز عليهم جميعا. جميع القضاة اعتقدوا بأن القانون غير متناسب. نوعام سولبرغ، في رأي الاقلية، اعتقد أنه يمكن اصلاح عدم التناسب من خلال تقليص نطاق القانون دون الغائه تماما.
بالنسبة لسولبرغ، الضفة تم ضمها في السابق
قرار حكم القاضي سولبرغ الذي كان في رأي المنفرد من بين القضاة التسعة، يثير القلق. بالنسبة له، لا توجد حدود للسلطة التشريعية الإسرائيلية من ناحية جغرافية، ولا يوجد على الاطلاق سؤال بشأن قوته على فرض سلطته التشريعية على أي مكان في العالم – ضمن ذلك المنطقة التي تخضع للاحتلال الحربي. المعنى، كما يتبين من هذه المقاربة، هو أنه لا حاجة إلى الضم لأن إسرائيل تستطيع الآن فرض قوانينها في المنطقة.
سولبرغ يستثني القانون من المعايير العادية للانتقاد القضائي. غايته يرفعها عاليا جدا إلى مستوى عال جدا من التجريد إلى أن تفقد الصلة مع المسألة قيد النظر. هو يعتبرها "تسوية الاستيطان في يهودا والسامرة واستمرار ترسيخه وتطويره". بهذه الصورة يمكن شرعنة أي عمل تشريعي بمستوى الغاية. وهو يعتقد أيضا بأن نقد قضائي لا يسري على هذه الغاية، وكونها جديرة حسب رأيه، يحدد من قبل الكنيست وليس المحكمة. الحديث يدور عن التنازل عن دور القضاء في فحص الجدارة للغاية.
القاضي سولبرغ غير قلق كما يبدو من الرسالة التي تظهر من قرار الحكم من ناحية سلطة القانون. وحسب رأيه، كل ما هو مطلوب من اجل خرق ممنهج ناجح للقانون هو سلطات حاكمة تتبع لغة مزدوجة وتشجع بالاجماع انتهاك القانون ومواطنون ينضمون إلى هذا الاستخفاف بالقانون، عندها تقوم بتقديم الحساب لطرف ثالث: سلب حق الملكية منه. على هذه الوصفة موجود الآن خاتم الشرعية لقاضي المحكمة العليا.
سولبرغ قال أيضا بأنه لا يمكن المقارنة بين المستوطنات وبين القرى الفلسطينية الاخرى في الضفة الغربية، ضمن امور اخرى، لأن المستوطنات حظيت بتشجيع السلطات. هنا يخرج المارد من القمقم: لا يمكن تبرير اساس القانون إلا اذا رأينا الإسرائيليين والفلسطينيين مجموعتان غير متساويتان. اجل، لا يمكن فهم السياسة في المناطق سوى اذا تبنينا هذه المقاربة، التي في اساسها انكار قيمة المساواة في كل ما يتعلق بالاستيطان في المناطق.
لا يوجد أي اساس في ادعاء مقربي رئيس الحكومة أمس، الذي يقول إن الضم سيحل المشكلة من اساسها. لأن المحكمة طبقت على قانون التسوية مبادئ القانون الإسرائيلي – التي ستسري بصورة أقوى بعد الضم. ولكن يوجد في هذا الادعاء ما يمكنه أن يعلم عن نوايا من يريدون القيام بالضم لنهب السكان الفلسطينيين. في المقابل، فقرة الاستقواء التي هي بمثابة استخفاف بالمحكمة، ويمكن أن تفيد من يؤيدون السلب. طريقة القانون الإسرائيلي كما هي لا تمكن من السلب. يجب تقويض أسسها وتشويه قيمها بواسطة فقرة استقواء من اجل السماح بالسلب على اساس عنصري.
حتى الخسارة هي انتصار
من النادر أن قرار المحكمة العليا يكون متوقع من البداية. حتى الاشخاص الحذرين والذين يكرهون المخاطرة كان يمكنهم الرهان على نتائجه. القرار النادر جدا للمستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت، للتعامل مع كقانون لا يمكن الدفاع عنه قانونيا، كان يمكن أن يوضح بدون أدنى شك أنه لا يوجد للقانون احتمالية في أن يصمد امام النقد القضائي.
وهو في الحقيقة لم يصمد. من يؤيدون القانون يكثرون من الاستناد إلى الرأي المنفرد للقاضي سولبرغ، ولكن أيضا هو نفسه توصل إلى استنتاج بأن القانون كما تم سنه لا يصمد في اختبار النقد. وأنه من اجل أن يجتاز هذا النقد يجب تقليصه، حسب اقتراحه.
السؤال هو ما الذي يجعل الحكومة تسير بعيون مفتوحة وتضرب الرأس بالحائط. الجواب على ذلك مزدوج. بالنسبة لمن يؤيدون القانون لم يكن هناك احتمالية للخسارة، حيث أن الخسارة تعتبر انتصار أيضا.
هو يمكن أيضا من مهاجمة المحكمة العليا كما تم، والادعاء بأهمية فقرة الاستقواء. ثانيا، الحكومة والاغلبية التي تقف معها في الكنيست، فضلت الظهور وكأنها جميلة أمام المستوطنين بدل مصالح الجمهور. لذلك، سمحت لنفسها بتجاهل الاضرار التي تم التسبب بها لإسرائيل عن طريق هذه الخطوة الزائدة.
هكذا ساهم من قاموا بسن قانون المصادرة بشكل كبير لمن يعارضون منح شرعية لسيطرة إسرائيلية في الضفة، ولمن يدعون أنه يوجد للمحكمة الدولية في لاهاي صلاحية على افعال الشخصيات الإسرائيلية الرفيعة في المنطقة. خطة الضم إذا خرجت إلى حيز التنفيذ فهي ستفجر المعقل الاخير لمبررات إسرائيل لسلوكها في المناطق: الوضع المؤقت إلى حين التوصل إلى اتفاق بين الطرفين. سيتبين أن هذا أيضا كان كذب. ستسمنا جميعا بطابع العار لمحتالين.
إضافة تعقيب