*الامور الجديدة التي توجد في خطة ترامب هي الاعتراف بسيادة اسرائيل في الضفة الغربية وابقاء البلدة القديمة في القدس تحت سيطرة اسرائيل والغاء مطالبة الفلسطينيين بعودة اللاجئين*
خطة السلام التي عرضها أمس الرئيس الأميركي دونالد ترامب جسدت معظم احلام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو السياسية. التجديد الاساسي فيها هو الاعتراف الأميركي بشرعية مطالب اسرائيل في الضفة الغربية، بمبررات قانونية، أمنية وتاريخية. هذه الخطة تقدم ضريبة كلامية لقرار مجلس الامن رقم 242 الذي كان اساس عملية "الاراضي مقابل السلام" بين اسرائيل وجيرانها.
ولكن في نفس الوقت تلقي في سلة القمامة مئات القرارات الاخرى الصادرة من جهات دولية عارضت الاحتلال والاستيطان الاسرائيلي في المناطق، على اعتبارهما غير قانونيين، وأعطت للمرة الاولى الشرعية من قبل البيت الابيض لفرض القانون الاسرائيلي في المستوطنات وفي غور الاردن.
نتنياهو طرح هذه المبادئ في كتابه "مكان تحت الشمس"، الذي نشر قبل 25 سنة كرد لليمين الاسرائيلي على اتفاقات اوسلو. نتنياهو اتهم الغرب بخيانة الصهيونية وعرض اسرائيل كدولة غازية ومحتلة، بدلا من كونها ضحية للعدوان الذي يحتاج الى "حائط واق" في جبال يهودا والسامرة وفي مرتفعات الجولان.
وعندما عاد الى الحكم في 2009 ألقى نتنياهو خطاب "بار ايلان" الذي وافق فيه للمرة الاولى على اقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف باسرائيل كدولة للشعب اليهودي. وبعد ذلك طرح المزيد من المبادئ للتسوية مثل معارضة مطلقة لاخلاء المستوطنات ومعارضة عودة اللاجئين الفلسطينيين الى اسرائيل. ولكنه يرفض حتى الآن عرض خارطة لفلسطين المستقبلية أو يحول حلم "بار ايلان" الى خطة عملية. وكل ذلك تغير الآن.
"صفقة القرن" تترجم افكار نتنياهو الى وثيقة مفصلة جدا، مع خارطة الحدود المستقبلية وقائمة طويلة من الترتيبات الامنية والاقتصادية. الخطة تلتزم بالمبدأ الاساسي الذي طرحته الادارات الأميركية في العشرين سنة الاخيرة، منذ "معايير كلينتون": سيتم تقسيم البلاد الى دولتين على اساس خطوط حزيران 1967 وتبادل الاراضي مع ممر من غزة الى الضفة يربط بين شطري فلسطين، والحفاظ على المسؤولية الامنية، في الجو والبحر وفي الطيف الكهرومغناطيسي في أيدي اسرائيل.
التجديد الاساسي مقارنة مع اقتراحات من عهد بيل كلينتون، جورج بوش وبراك اوباما، هو أن البلدة القديمة في القدس ستبقى تحت سيطرة اسرائيل، مع استقلالية ذاتية للاوقاف والاردن في منطقة الحرم، مقابل السماح بصلاة اليهود هناك. عاصمة فلسطين ستكون في أحد "الأحياء البعيدة" وراء جدار الفصل.
تجديد آخر لا يقل اهمية هو الغاء طلب الفلسطينيين لعودة اللاجئين أو دفع تعويضات باهظة. العالم ينشغل الآن باللاجئين السوريين، ولا يوجد له أي اهتمام أو اموال لمعالجة موضوع اللاجئين الفلسطينيين. ترامب يقول للفلسطينيين "لقد قضيتم سبعين سنة في مخيمات اللاجئين. والآن يجب عليكم التقدم".
ترامب وقع فعليا على الخطة التي يمكن أن تساعده في تجنيد تأييد الافنغيليين واليهود اليمينيين في انتخابه لولاية ثانية في شهر تشرين الثاني القادم. ولكن الاكثر من ذلك هو أن "صفقة القرن" هي إرث نتنياهو الذي طبخه بكفاءة دبلوماسية غير قليلة. وقد جسد حلمه بعد بضع ساعات على تقديم لائحة اتهام ضده للمحكمة المركزية في القدس.
وفترة نتنياهو في قيادة الدولة تقترب كما يبدو من النهاية. ومثل جميع أسلافه بدون استثناء، ايضا هو تعرض للمأساة التي تعرض لها رؤساء حكومات اسرائيل الذين لم يذهب أي واحد منهم الى التقاعد بارادته. الدراما المزدوجة في المحكمة وفي البيت الابيض اظهرت أن نتنياهو يتفوق على أسلافه بقوة الرواية. ومشكوك فيه أن يساعده هذا الامر على أن يبقى لولاية اخرى في شارع بلفور.
هآرتس- 29/1/2020
إضافة تعقيب