بحماية الغاء قانون الانفصال يمكن التقدير بأنهم في الحكومة يخططون لإعادة توطين المستوطنات التي تم اخلاءها في العام 2005. ودخول الجيش الى جنين استهدف هزيمة من يحاولون تشويش الخطط
الجيش الذي عتاده مأخوذ من فيلم للخيال العلمي، يهاجم قبيلة للهنود الحمر. بقدر معين هذه هي علاقات القوة، وهذا هو أحد الجوانب التي تحول الفلسطينيين الموجودين في مخيم جنين للاجئين الى ابطال. المواطنون كالعادة هم ابطال رغم انفهم. في حين أن من اختاروا التسلح ومحاولة المس بالغزاة فإن بطولتهم وشجاعتهم (وعدم اكتراثهم بالموت لأنهم منذ الولادة لا يوجد أي أفق لحياتهم)، لم يوقفوا في السنوات الـ 23 الاخيرة الخطة الكبرى الإسرائيلية، وهي ضمان ضم معظم الضفة الغربية فعليا لإسرائيل، وأن يتم تطهيرها من الفلسطينيين، من خلال زجهم في محميات محددة.
الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة دفعت قدما بهذه الخطة الرئيسية، كل يوم يمر يكشف الى أي درجة الحديث يدور عن استراتيجية محسوبة قام بصياغتها الكثير من المفكرين، وهي متعددة اذرع التنفيذ.
المؤيدون للنضال المسلح يقولون وبحق، إن تكتيك الدبلوماسية والمفاوضات الذي يتمسك به رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لم يوقف شهية توسع اسرائيل، التي استخفت منذ اليوم الأول، باتفاق اوسلو حول التفاهمات الدولية بأن المستوطنات مناقضة للعملية السلمية، وأنه يجب وقف البناء فيها.
لكن حتى ما يسمى "الكفاح المسلح" لم يوقف في العقود الثلاثة الاخيرة جشع اسرائيل للأراضي الفلسطينية واحباط الطموحات الوطنية الفلسطينية. بالعكس، في أكثر من مرة تم استخدامه لهذا الجشع، مثل اقامة جدار الفصل، ومنطقة التماس الواسعة التي حولها محظور تواجد الفلسطينيين.
اخلاء المستوطنات في قطاع غزة، الذي تعرضه حماس كإنجاز وكدليل على نجاح النضال المسلح، خدم هدفا ساميا لإسرائيل، وهو الاستمرار في تقسيم السكان الفلسطينيين وادخالهم الى فئات استشراقية ومنفصلة في جيوب معزولة عن بعضها البعض، في نفس الوقت الذي يتعمق فيه الاستيطان في الضفة الغربية، بما في ذلك في شرقي القدس.
اخلاء المستوطنات الاربعة في شمال الضفة في العام 2005 لم يغير الكثير. فإسرائيل استمرت في تصنيف المنطقة التي بنيت فيها كمناطق ج ومنعت الفلسطينيين من استخدامها وتطويرها حسب احتياجاتهم، حتى عندما تم اخلاؤها من المستوطنين. هذه المواقع التي تم اخلاؤها فقط، بقيت هناك في حالة انتظار، الى أن تعيد الظروف السياسية الصحيحة عقارب الساعة الى الوراء.
على هذه الخلفية يجب تفهّم الهجوم على قبيلة اللاجئين في جنين، وليس فقط على خلفية محاكمة نتنياهو واعتماده على احزاب المستوطنين، والمظاهرات ضد الانقلاب النظامي. حكومة نتنياهو- سموتريتش- بن غفير- لفين الغت قانون الانفصال في شمال السامرة. في اراضي برقة وسيلة الظهر تزدهر وتتوسع بحماية من الجيش المدرسة الدينية- المستوطنة في حومش. لأنه بحماية ومساعدة نفس الجيش، فرضت الرعب على اصحاب الاراضي حتى قبل فترة طويلة من الغاء هذا القانون.
بقيت ايضا ثلاثة مواقع باتجاه الغاء القانون، ما كانت تسمى مستوطنات صانور وكديم وغانيم. جميعها قائمة في محيط محافظة جنين. التجربة المتراكمة تسمح بالتقدير بأن القيادة العليا، أي حركات الاستيطان على أنواعها وممثليها الكثيرين في الحكومة، تخطط لتوطين هذه المواقع من جديد.
وحتى قبل ذلك يجب أن تظهر هنا وهناك مزارع الافراد، التي تظهر وكأنها عفوية مع قطعان الاغنام والابقار السمينة، والمليشيات الخاصة، وتمويل الجمهور الذي يسمح للمزيد من العائلات بتطبيق وصية سرقة اراضي الفلسطينيين. مع هذه الطبخة المعروفة فإن قطع واقتلاع الاشجار واشعال الحرائق وسرقة المحاصيل واغلاق الطرق واطلاق النار في كل مكان، وارتكاب المذابح المباشرة، لا تكتفي بتخويف احد الرعاة أو فلاحين بل هي موجهة لقرية بأكملها.
الألف جندي والطائرات المروحية والطائرات المسيرة، والقذائف وغرف العمليات والجرافات ومئات السيارات المدرعة، وأحدث منتجات الهايتيك الاخرى التي يصعب تخيلها، كل ذلك استهدف اخضاعهم واستسلامهم، وقتل واعتقال واصابة وردع وتخويف الذين سيحاولون التشويش على تطبيق الجزء المتمثل بإلغاء قانون الانفصال.
الفجوة الكبيرة في علاقات القوة تنعكس ايضا في توفر المعلومات. فالمتحدثون بلسان الجيش والشرطة والشاباك يعطون في الوقت الحقيقي معلوماتهم المصفاة: اذا ارادوا يزيدون التفاصيل أو يقلصونها، الاساس هو أن الجمهور في اسرائيل يعتبرهم الجهة التي تعرف كل شيء والتي تبدو موضوعية.
وعندما ينشرون صورا لبراميل مليئة بالوقود، ويكررون للمرة المليون "بنى ارهابية" و"مختبرات المتفجرات" في منطقة مدنية مأهولة، يجب على كل اسرائيلي تجاهل أن قواعد الجيش والشاباك ومكاتب وزارة الأمن وهيئة الاركان العامة، تعمل داخل التجمعات السكانية المدنية بشكل واضح. يجب عليهم ايضا نسيان أن وحدة واحدة للجنود أو حرس الحدود مسلحة اكثر من كل مخيم اللاجئين. هم لا يتذكرون، ولذلك لا يمكنهم ايضا النسيان بأن اسرائيل هي القوة المحتلة التي فرضت نفسها على الفلسطينيين.
المعلومات الاخرى التي تأتي من الميدان جزئية وضئيلة لأن الجيش الاسرائيلي قام بتدمير شبكة الكهرباء في المخيم، وبطاريات الهواتف المحمولة فرغت، لأن الاشخاص ينشغلون بإنقاذ انفسهم والآخرين، ولأن المواطنين لا يرون اكثر من مقطع الشارع الذي قامت بتدميره الآن جرافة الجيش الاسرائيلي، لأن السلطة الفلسطينية لم تقم بإنشاء أجهزة، تقدم المعلومات التي في ايديها (باستثناء وزارة الصحة والصليب الاحمر والقليل من مكاتب المحافظات).
يجب علينا جمع المعلومات من اشخاص جربوا على جلودهم التدمير والرعب، وهذا ممكن فقط بعد أن تغادر القوات الاسرائيلية الضخمة التي تم ارسالها لتدمير مخيم جنين للاجئين مرة اخرى.
نحن اصبحنا نعرف أن آلاف سكان المخيم اضطروا لمغادرة بيوتهم مساء يوم الاثنين (هناك من خرجوا بعد أن أمرهم الجيش بالمغادرة، وآخرون "اختاروا" الخروج لأنه لم يعد بالإمكان العيش بدون مياه).
الآن عندما أصبحوا خارج المخيم، يهيمون بين المدارس أو الاصدقاء في القرى المجاورة، فهم لا يعرفون في أي وضع سيجدون بيوتهم عندما سيتمكنون من العودة اليها: مدمرة، الابواب والجدران تم تفجيرها، القليل من الاغراض الثمينة التي توجد فيها سرقت، صورة الجد وهو يرتدي الكوفية تم تمزيقها، التلفزيون الذي استثمروا فيه توفيرات سنة، اصبح مثقوبا بسبب الرصاص، اكياس الارز والسكر مثقبة ومحتواها مسكوب على الارض.
عندما سنتمكن من الالتقاء مع سكان المخيم سيتبين، على الاقل جزء من التفاصيل: هل ابناء 16 و17 كانوا وبحق، مسلحين عندما قتلهم الجنود، أم أنهم قاموا برشق الحجارة على سيارة عسكرية مدرعة. وسنعرف عدد المعتقلين ومكان اعتقالهم. وسنحصل على مصطلح أكثر دقة حول حجم الدمار الذي خلفه الجيش. ولكن عندها كل ذلك سيعتبر "اخبار الامس"، التي لا تعني الجمهور الاسرائيلي.
هآرتس- 5/7/2023
إضافة تعقيب