*ما يعتبر كابوسًا بالنسبة للإسرائيليين في زمن الكورونا من المتابعة الالكترونية والحصار الخفيف هو حلم الفلسطيني الذي اعتاد خلال عشرات السنين على حظر التجول لفترة طويلة واقتحامات في الليل لمنزله والتنكيل به أمام اولاده*
السماء أظلمت وكل شيء يطوقنا ويقترب منا. فقط يد القدر، الله ووزير التاريخ يضحكون في الأعالي. ضحك ساخر ومرير، ضحك القدر: اسرائيل تتذوق للمرة الاولى القليل طعم جهنم الذي تطعمه خلال سنين طويلة لرعاياها. بسرعة كبيرة يدخل الاسرائيليون ليعيشوا واقع لا يوجد أي طفل فلسطيني لا يعرفه.
حتى المفاهيم تمت استعارتها من عالم الاحتلال: اسرائيل في طريق الاغلاق، نحن اصبحنا حقا نعيش في حالة اغلاق، الجيش الاسرائيلي يسيطر على الفنادق والشباك يسيطر على الهاتف، وحرس الحدود والحواجز في الطريق الينا. وليس صدفة أنه تم تجنيد المحلل للشؤون العسكرية في "هآرتس، عاموس هارئيل، ليكون محلل الكورونا. وبعد يوم أو يومين ستكون تل ابيب مثل جنين واسرائيل ستكون مثل قطاع غزة. الروتين اليومي تحول هنا الى واقع مذهل.
الفروقات كثيرة بالطبع. فما يعتبر في نظرنا نهاية العالم يعتبر بالنسبة لهم تسهيل في الحصار. ورعب فيروس الكورونا يهبط على الجميع. ولكن مع ذلك، لا يمكنك الا الاعتماد على الخيال. أولا، وضع الاغلاق. البوابات للخارج محاصرة فعليا، لا أحد يدخل ولا أحد يخرج. وغزة في هذا الوضع منذ 14 سنة متتالية، شباب لم يروا في حياتهم طائرة ركاب، ولا حتى في السماء. وهناك بالغون لم يكونوا في أي يوم في المطار ولم يحلموا حتى برحلة الى الخارج ولو لمرة واحدة في حياتهم. الاسرائيليون الذين يعيشون الآن بدون مطار بن غوريون الامر صعب عليهم. الغزيون الذين يعيشون مع الخارج غير المعروف الامر غير فظيع بالنسبة لهم.
بعد قليل سيصادف عيد الفصح. والاطفال هنا سيصيبهم الجنون هم وآباؤهم: عيد فصح بدون استجمام وبدون الذهاب الى المجمعات التجارية أو ديزني أو سوق حرة. في غزة لا يعرفون عما يدور الحديث. حتى ابواب المنازل آخذة في الانغلاق لدينا. فكروا في حظر التجول الذي استمر احيانا لبضعة اشهر في الانتفاضة. فكروا في حظر التجول مع كثير من الاولاد وعدد اقل من الغرف. حظر تجول مع عدد اكبر من الدبابات في الخارج والكراهية في الداخل.
تخيلوا شرطة حرس الحدود في دوريات في الشوارع يفحصون الوثائق ويضعون الحواجز. في اسرائيل سيتصرفون مثل الممرضات الرحيمات مقابل تصرفهم الوحشي في المناطق. مع ذلك، هذا سيصعب تحمله. كم من السهل أن يكون الشرطي من ابناء شعبه والدولة هي دولتك. وكم سيكون قاسيا ومثيرا للغضب عندما يكون غريب وغاز ومحتل. مع ذلك، يمكننا تذوق الطعم. وسنذوق ايضا طعم الوقت الضائع، وقت الفلسطينيين. يخرجون من البيت ولا يعرفون هل ومتى سيصلون الى هدفهم. يدرسون في الجامعة ولا يعرفون متى سيتم اغلاقها وكم من الوقت سيستمر ذلك. يحاولون الوصول الى العمل ولا ينجحون.
ايضا الوضع الاقتصادي آخذ في أن يصبح مشابها. 100 ألف عاطل جديد عن العمل يوجد لدينا الآن. اشخاص فقدوا اماكن عملهم ومصالحهم التجارية وعالمهم. على الاقل للحظة يبدو لهم أنه لا مستقبل لهم أو حاضر، وأن كل شيء انتهى، كيف سيسددون الفواتير ويقوموا باطعام اولادهم. هذا وضع عادي جدا تحت الاحتلال.
هذا هو واقع عشرات السنين. الجلوس عدة اشهر في البيت دون فعل أي شيء. تسلق الجدران هو امر بديهي في المناطق. الشباك سيستخدم "وسائل الكترونية"؟ لا تضحكوا الفلسطينيين، هذا هو الجزء الاكثر لطفا وانسانية في معاملة الشباك لهم، ليتنصت ويراقب، وفقط أن يتوقف عن التعذيب والابتزاز والتنكيل.
في المناطق الشباك يعرف دائما كل شيء، في كل مكان، بدون أي قيود قانونية. الانتقاد لاختراق الخصوصية في اسرائيل يمكنه فقط تسلية الفلسطينيين. ومثله ايضا صورة ضباط قيادة الجبهة الداخلية وهم يقومون بإدارة فندق. كم عدد الفنادق التي سيطر عليها الجيش وحولها الى مقرات للقيادة في المناطق؟
هناك بالطبع قواعد: حتى في ذروة الكورونا فان الاسرائيليين لن تتم اهانتهم أو ضربهم أمام اولادهم أو آبائهم. ولا يقومون باقتحام منازلهم تحت جنح الظلام كل ليلة من اجل اجراء تفتيش عبثي ووحشي. ولن يقوم أي أحد باختطافهم من السرير. وحتى في اسوأ الكوارث لا يتوقع أن يطلق القناصة النار من اجل التسلية على رُكب المتظاهرين.
والبيوت لن يتم تفجيرها والحقول لن يتم رشها بالمبيدات. بالاجمال، هذا حصار مؤقت مع تنصت من قبل الشاباك ودوريات المشاة لجنود حرس الحدود. وهذا هو حلم كل فلسطيني يحلم بحياة افضل.
إضافة تعقيب