news-details

الاحتجاج لأجل ديمقراطية جزئية ليس جديرا بالانتصار| ديمتري شومسكي

رغم الخطورة التي تكتنف فشل وتحطم الاحتجاج، إلا أن الاحتجاج الذي يرى أنه توجد امكانية لوجود ديمقراطية جزئية، ويقبل باستمرار الاحتلال وسحب الحقوق الإنسانية من الفلسطينيين، لأنهم لا يستحقون لمساواة مع اليهود، هو احتجاج غير جدير بالانتصار

يجب الاعتراف بأن موقف افتتاحية "هآرتس" قبل أسبوع ونصف الأسبوع، التي كتب فيها بأنه إذا كان الاحتجاج على الانقلاب السلطوي، هو أمر حيوي فيجب أن يشمل النضال ضد الاحتلال في جدول أعماله، هو موقف خاطئ من اساسه. عكس ذلك، من المعقول الافتراض بأنه لو أن الاحتجاج قد استجاب لهذه التوصية، ودمج في رسائله شعار معارضة احتلال الشعب الفلسطيني لكان هذا الامر سيزيد بدرجة كبيرة حملة نزع الشرعية الكهانية- البيبية ضده. حتى بهذه الصورة هو يعرضه بصورة غير مقنعة، على أنه احتجاج ضئيل من قبل "اليسار المتطرف"، و"المؤيد للعرب، والمناهضين للصهيونية".

في المقابل، يمكن أن الانقضاض المخجل لأعضاء حركة "اخوة في السلاح" على اعضاء حركة "الكتلة ضد الاحتلال" في بداية الشهر الحالي، خدم بشكل كبير الاحتجاج، دون الحاق أي ذرة من الضرر به، حيث أن من يعارضون الاحتلال في الاصل متواجدون في جيب الاحتجاج، لأنهم معنيون بشكل واضح بوقف الانقلاب السلطوي، ومن الجهة الاخرى، فإن المزيد والمزيد من اعضاء الوسط- يمين اقتنعوا في اعقاب هذا الانقضاض بأن الاحتجاج بعيد عن أن يكون "يساري".

لكن هذا ليس هو سبب تنصل الاحتجاج من كل ذرة لمقاومة الاحتلال والابرتهايد. "اخوة في السلاح" لم يهاجموا معارضي الاحتلال لدوافع تكتيكية، كي لا يظهروا في عيون الجمهور الاسرائيلي الواسع كـ "يساريين". لا، هم ارادوا أن يبعدوا عن المظاهرات أولئك الذين يصرخون "لا توجد ديمقراطية مع وجود الاحتلال"، لأن اعضاء "اخوة في السلاح"، مثل معظم قادة الاحتجاج، على قناعة بأنه لا يوجد أي تناقض بين النظام الديمقراطي- الليبرالي المستقر والقوي وبين استمرار سحب الحقوق القومية والمدنية من العرب الفلسطينيين.

عندما احتجت شكما بارسلر في خطابها في بداية شهر حزيران بأنه "منذ 56 سنة فان طريق الوصول الى حائط المبكى توجد في يد تيار ديني واحد، نسيت الاشارة الى أنه منذ 56 سنة واسرائيل تنشغل في التدمير الذاتي، السياسي والاخلاقي الممنهج، المرتبط بقمع واستعباد شعب آخر. فقد تجاهلت موضوع الاحتلال، ليس لاعتبارات الربح والخسارة، بل تجاهلته لأنه حسب رأيها فان الحقوق الدينية لليهود المؤيدين للتيارات غير الارثوذكسية، أكثر اهمية من الحقوق الاساسية للفلسطينيين بالسيادة والحرية.

كيف يمكن المعرفة بوضوح بأن قيادة الاحتجاج ضد الانقلاب السلطوي تُبعد عن جدول اعمالها قضية الاحتلال ليس لاسباب نفعية، بل من خلال رؤية، لا ترى أي عيب في استمرار الحكم العنيف والقمعي لاسرائيل ضد شعب آخر. بهذا، فلو أن سياسة السلب والطرد للشعب الفلسطيني اقلقت في أي يوم الضمير الديمقراطي لعشرات آلاف ومئات آلاف الاسرائيليين الذين يعارضون الآن بشكل حازم تحطيم السلطة القضائية في اسرائيل، لكانوا هم وقادتهم قد تنظموا منذ فترة بعيدة.

كانوا سيخرجون في كل مساء سبت بجموعهم الى الميادين والى مفترقات الطرق، وكانوا سيقيمون بين حين وآخر أيام معارضة وطنية، من خلال مظاهرات شجاعة في مطار بن غوريون، كما حدث في يوم الثلاثاء الماضي، وبهذا كانوا سيقربون نهاية الاحتلال، بالضبط مثلما هم الآن، هذا ما نأمله، يمكنهم وقف هنا تأسيس ديكتاتورية ما بعد الحداثة، على صيغة هنغاريا وبولندا.

هم لم يفعلوا ذلك، ولم يخطر ببالهم أن يفعلوا ذلك، لأنه حسب رؤيتهم الاساسية القومية المتطرفة فإن الفلسطينيين لا يستحقون نفس الحقوق المدنية والسياسية التي يستحقها اليهود الاسرائيليون. في المقابل، في اللحظة التي بدأ فيها حكم اليمين العنصري – الديني والاجرامي في موجة تشريع مناهضة للديمقراطية، التي في نهايتها سيكون مس كبير بحقوق الانسان والمواطن الاسرائيلي، عندها فإن من يؤيدون الديمقراطية لليهود بدأوا في الخروج الى الشوارع.

من هنا إذا نجح الاحتجاج المناهض للديمقراطية في احباط مؤامرة عصابة سيادة الفوضى لتحويل اسرائيل الى صورة استبداد اوروبي شرقي، فإنه يجب على المتظاهرين وقادتهم العودة الى بيوتهم بسعادة وهم يواصلون دعم تعميق المشروع الكولونيالي الانتحاري لإسرائيل في ارض فلسطين.

 يجب عدم الوقوع في الخطأ: يجب الأمل من الاعماق بنجاح الاحتجاج في اجتثاث نظام المجرمين النازيين الجدد الكهانيين الحالي، سواء لأن فوز الاخيرين سيمهد الطريق لتأسيس رسمي لدولة الابرتهايد بين البحر والنهر، أو لأن هزيمتهم هي أمر حيوي كخطوة أولى من اجل اعادة الأمل بأفق سياسي ما للشعبين في هذه البلاد.

لكن إذا تحطم الاحتجاج في نهاية المطاف فانه مع كل الألم المرافق لهذا الامر يجب الاعتراف بأنه سيكون في ذلك عدالة تاريخية ما. لأن الاحتجاج الذي يعتقد بأنه يمكن أن تكون هناك ديمقراطية جزئية غير جدير بالفوز باسم الديمقراطية.

هآرتس- 13/7/2023

(تصوير: أورن زيف – اكتفستلز)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب