news-details

التحريض يبدأ من البيت | ناحوم بارنيع

 يديعوت أحرنوت- 15/6/2020

*نتنياهو مخطئ. الشرطة ليست العنوان. فالتهديدات على القضاة، السياسيين، الصحافيين، لم تولد من عدم: يوجد لها مصدر الهام*

كتاب صدر هذا الاسبوع في الولايات المتحدة يرسم خطوطا لصورة ملانيا ترامب، زوجة الرئيس ("فن صفقتها"، بقلم ماري جوردن). فصل في الكتاب نشر أمس في صحيفة "واشنطن بوست". ويصف هذا الفصل مصاعب الانتقال من مكانة امرأة مجتمع الى مكانة السيدة الاولى. في النصف سنة الاولى لولاية زوجها رفضت الانتقال من برج ترامب في نيويورك الى البيت الابيض. وأحرج هذا الربط الرئيس وكلف عشرات ملايين الدولارات في نفقات الحراسة.

ونشر في حينه بانها ليست مستعدة لان تنقل ابنها من مدرسته في منتصف السنة التعليمية. اما الكتاب فيعرض سببا آخر: فقد أجرت مع زوجها مفاوضات سرية على تحسين اتفاق النفقة لها. وكان رفض الانتقال هو الرافعة.

مثل كل زوجة رئيس، ترددت ملانيا ترامب هي الاخرى في مسألة ماذا ستكون عليه مساهمتها الخاصة للمجتمع الأميركي. كانت لديها فكرة فائقة: الشبكات الاجتماعية مليئة بالتهديدات، بالشتائم، بالاكاذيب، بالتحريض. وبين الحين والاخر كانت هي ايضا تستهدف في ذلك. وهي ستمارس نفوذها للجم وسائل التعبير في الشبكات.      سمع فريق البيت الابيض عن الفكرة وصدم: التهديدات، الشتائم، الاكاذيب والتحريض في الشبكات هي التي جاءت بترامب الى البيت الابيض. محظور ذبح الدجاجة التي تبيض ذهبا. وقد دعيت السيدة الى الانضباط فصمتت.

فكرت في هذه القصة حين قرأت ما قاله نتنياهو امس في مستهل جلسة الحكومة. يرى نتنياهو حاجة للرد على النبأ الذي جاء فيه أن عنات برون قاضية في المحكمة العليا تلقت في صندوق بريدها في بيتها كتابا يهدد حياتها. ورفع حرس المحكمة شكوى الى الشرطة. "يجب إبداء صفر تسامح تجاه كل من يهدد بالقتل قضاة ومنتخبي جمهور على حد سواء"، قال نتنياهو. وفي بيانه امتنع عن ذكر القاضية، ولكنه لم ينسَ التهديدات ضده وضد ابنه وزوجته. "ادعو الشرطة الى العمل بسرعة وبقوة للقضاء على وباء التحريض"، قال. اما الوزراء فقد ابتلعوا الابتسامة.

ما هو التحريض ومتى يصبح وباء؟ على هذه المسألة دار جدال متواصل في العالم الديمقراطي. قيمتان تصطدمان مواجهة: من جهة حرية التعبير؛ من جهة اخرى كرامة الانسان وحقه في الامن والخصوصية. أما ظاهرة الشبكات الاجتماعية فقد فاقمت المعضلة: حرية التعبير اصبحت فيها أداة لنشر الدعاية الكاذبة، للتحريض على العنف، لاساءة السمعة، لتدمير الديمقراطية، واحيانا ايضا أداة للقتل.

في أميركا الجدال عاصف على نحو خاص. سبب واحد هو ترامب وتغريداته؛ سبب آخر هو مدير عام الفيس بوك مارك سوكربرغ الذي يصر على مواصلة تشجيع المستخدمين على التعبير بعنف، بلا لجام. والدافع هو المال، اما الذريعة فهي حرية التعبير. سوكربرغ هو اليوم احد الاشخاص الاكثر كرها في أميركا. سبب ثالث، مشوق بحد ذاته، هو موجة المظاهرات ضد عنصرية الشرطة. صحافيون سود أقاموا حركة "MeToo" خاصة بهم، لم تعد مستعدة للتسليم بظواهر العنصرية، حتى بثمن المس بحرية التعبير. هذه الحركة تهز قواعد اللعب في السياسة وفي الاعلام.

بغياب دستور، الحامي الأكبر لحرية التعبير في إسرائيل هو المحكمة العليا. أهرون باراك ثبت المبدأ، وخلفاؤه ساروا في أعقابه. لعل بعض من زملائي سيغضبون عليّ، ولكني أعتقد بان العليا سارت شوطا أبعد مما ينبغي. فالتحريض يقتل: هكذا اعتقدت عشية اغتيال رابين، حين بلغ التحريض ذروته، وهكذا اليوم أيضا، بعد أن اكتسبت الشبكة الاجتماعية سيطرة على الخطاب العام. فلا يمكن للشبكات أن تواصل العمل في فراغ. ينبغي أن تفرض عليها الواجبات التي يفرضها القانون على كل وسيلة اعلام، ويجب الزامها بترشيح الانباء.

الشرطة ستعثر على أي حال على الغبي الذي هدد القاضية. اما محاميه فسيقول انه طبيعي، أب طيب لابنائه، جد رائع لاحفاده، كانت له لحظة غضب بسبب قلقه العميق على شعب إسرائيل ولكنه ندم على الفور، والملف ينبغي اغلاقه.

نتنياهو مخطئ. الشرطة ليست العنوان. فالتهديدات على القضاة، السياسيين، الصحافيين، لم تولد من عدم: يوجد لها مصدر الهام. يمكن ان نجادل قرارات القضاة. ولكن لا يمكن احتقارهم وكأنهم آخر المجرمين. يريف لفين يتولى منصب رئيس الكنيست.

هذا منصب رسمي، رفيع المستوى، ثان فقط لرئيس الدولة. ولا يمكنه أن يهاجم قضاة العليا كآخر المعقبين. إمسالم، ريغف، اوحنا، يشتمون رؤساء جهاز القضاء وينالون الترفيع. والاساس، نتنياهو نفسه، في الخطاب الذي القاه في مبنى المحكمة. فما هي الرسالة التي يستخلصها من هذه التصريحات المهدد الدوري؟

مئات الاف الإسرائيليين معجبون بنتنياهو ويقسمون له بالولاء. هذه قوة: هذه أيضا مسؤولية. فهل يريد نتنياهو القضاء على وباء التحريض؟ فليبدأ من البيت.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب