يجب تحديد ثمن متناسب مقابل المواطن العاقل الذي يجتاز الحدود بارادته، وليس مثلما دفعت اسرائيل مقابل الفتاة د. التي تسللت الى سورية
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كان سيكون مسرورا جدا لو أن عظام ايلي كوهين تم احضارها كي تدفن في اسرائيل قبل الانتخابات. نتنياهو على قناعة بأن هذه الخطوة، التي حتى الآن لم تنجح، ويرافقها مرة تلو الاخرى نشر ايماءات كاذبة، كانت ستزيد عدد مقاعده في الكنيست. من اجل ذلك استعان نتنياهو برئيس الموساد، يوسي كوهين، وبالاستخبارات العسكرية وبيارون بلوم، ممثل رئيس الحكومة لشؤون الاسرى والمفقودين.
لكن الشخص الرئيسي هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فقط هو الذي يستطيع يستخدم رافعة تأثيره، على فرض أن بشار الاسد يعرف مكان بقايا جثة كوهين. ربما يكون هذا هو التفسير لموافقة نتنياهو على صفقة التبادل المشكوك فيها مقابل الاسرائيلية د. التي تسللت الى سورية (تم تقديم لائحة اتهام ضدها)، والتي اطلاق سراحها خلق سابقتين على الأقل.
هذه هي المرة الاولى التي توافق فيها حكومة اسرائيل على دفع فدية مقابل مواطن قام باجتياز الحدود بارادته. في السابق وافقت على دفع عشرات ملايين الدولارات النقدية أو عن طريق سلع مثل النفط، من اجل اطلاق سراح الطيار رون أراد. هناك واجب اخلاقي لدفع فدية حتى مقابل جنود تم أسرهم. ولكن لا يوجد أي مبرر للدفع من اموال دافع الضرائب مقابل مدنيين. بالتأكيد من افعالهم هي التي تسببت بضائقتهم.
حتى دول غربية وأيضا دول عربية، التي في السابق دفعت الفدية من اجل اطلاق سراح مواطنيها تم احتجازهم من قبل منظمات جريمة في لبنان وسورية وافغانستان وامريكا الجنوبية، اشترطت ذلك بأن يكونوا قد اختطفوا أو احتجزوا رغما عنهم ولم يتطوعوا بالعبور الى الجانب الآخر. تكلفة الفدية مقابل فتاة هي مليون دولار تقريبا. وهذا المبلغ سيتم دفعه للشركة الروسية التي تنتج لقاح "سبوتنيك"، الذي سيعطى للجيش السوري وجهاز المخابرات السوري ومقربي نظام الاسد.
السابقة الثانية هي أن هذه هي المرة الاولى التي فيها صممت شرطة اسرائيل والنيابة العامة على منع نشر اسم الفتاة. من اجل ذلك تم اصدار أمر بمنع النشر بمصادقة المحكمة، حتى بعد انتهاء التحقيق. منذ الخمسينيات نشر دائما اسم كل اسرائيلي، مدني أو جندي، تمت اعادته من السجن أو الأسر في دولة معادية أو كان محتجز في أيدي منظمة ارهابية.
مثلا، في منتصف الخمسينيات اجتاز شلومو "مرسكي" بن يهودا الحدود الى سورية وتم اطلاق سراحه في صفقة تبادل. في العام 1961 تسلل مردخاي لوك ("الرجل الذي يحمل حقيبة") بارادته الى قطاع غزة. وفي العام 2004 تطوع الحنان تيننباوم بالذهاب الى صفقة مخدرات في أبو ظبي وتم اختطافه من قبل مقاتلي حزب الله ونقل الى لبنان. ايضا في مئات الحالات الاخرى تم نشر اسماء اسرائيليين اجتازوا الحدود وتسللوا الى دول معادية.
حالة د. وسابقات من الماضي تثير قضايا مهمة تتحدى حكومات اسرائيل، التي تجد صعوبة في التعامل معها. ما هي حدود مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها؟ هل حكم الجنود أو من تم ارسالهم من قبلها الى مهمات مثل حكم المدنيين؟ هل المواطنون الذين خالفوا القانون يستحقون أن تعمل الدولة على اطلاق سراحهم؟ واذا عملت أليس من واجبها معاقبتهم؟ وبدون صلة بمسألة تقديمهم للمحاكمة، هل يجب مطالبتهم بتعويض الدولة عن الاضرار المالية التي تسببوا بها؟ محاولة من المحاولات الجدية لمناقشة هذه الامور كانت في العام 2008، عندما أمر وزير الأمن في حينه، اهود باراك، بتشكيل لجنة فحص برئاسة رئيس المحكمة العليا السابق مئير شمغار.
كل ذلك في اعقاب انتقاد حاد للجمهور لعدد من صفقات التبادل وعلى رأسها صفقة تيننباوم. في هذه الصفقة الفضائحية وافقت حكومة اريئيل شارون على اطلاق سراح نحو 400 ارهابي مقابله ومقابل جثث ثلاثة جنود اسرائيليين. وبعد انتهاء عمل اللجنة في 2012 ناقشت حكومة نتنياهو التقرير، لكنها لم تتبنى استنتاجاته.
على الرغم من أن التقرير سري ولم يتم نشره رسميا فقد تسربت منه بعض التفاصيل. التقرير يتحدث عن سلم اولويات وعن تناسب. اللجنة تفرق بين المدنيين والجنود وتقول إنه يجب التمييز بين اربعة سيناريوهات من خلالها يتم اشتقاق موقف الحكومة والتزامها، حسب ترتيب تنازلي للاهمية: جندي تم أسره اثناء نشاط عملياتي، اسرائيلي تم أسره في اعقاب نشاط ارهابي، مواطن اسرائيلي اجتاز بالخطأ الحدود وتم اعتقاله، مواطن اجتاز الحدود بارادته.
في كل واحدة من هذه المجموعات الثمن الذي يكون على اسرائيل دفعه يجب أن يكون متناسبا. الجندي الاسير أو المخطوف يجب اطلاق سراحه مقابل عدد غير كبير من السجناء وجثث قتلى العدو. جثة الجندي سيتم استعادتها مقابل الافراج عن جثة عدو أو سجين واحد. من الواضح أنه مقابل اعادة مدنيين، الذين بالتأكيد هم مدنيون اجتازوا الحدود بارادتهم، الثمن يجب أن يكون أقل.
حكومة شجاعة يجب عليها وضع خطوط حمراء واضحة: من اجتاز بارادته الحدود الى دولة معادية، وهو مستقر نفسيا، لا يستحق أن تهب الدولة لمساعدته. ولكن عندما لا تقوم الحكومة بعملها في القضايا المصيرية مثل ازمة الكورونا أو المشروع النووي الايراني أو المفاوضات مع السلطة الفلسطينية أو الاتفاق مع حماس الذي سيسمح باعادة جثامين الجنود (والمفقودين المدنيين الذين اجتازوا الحدود بارادتهم الى غزة)، فإن توقع أن تحاول تبني سياسة عقلانية في كل ما يتعلق بالأسرى والمفقودين والمتسللين بارادتهم، يكاد يقارب الصفر.
عندما يتم اتخاذ القرارات حسب نزوة وبدون أي نقاش جذري ومعمق، يبدو أن د. لن تكون المتسللة الاخيرة. والثمن الذي دفعته اسرائيل مقابل اطلاق سراحها هو سابقة لثمن أعلى بكثير ستضطر الى دفعه في المستقبل.
هآرتس- 15/3/2021
إضافة تعقيب