news-details

الجمهور فاسد

*عندما نوافق على فهم "الحقيقة القانونية" لنتنياهو فنحن نواصل أن نرش على أنفسنا المزيد من عطر الخزامى المطهر عندما تفيض المجاري*

 

الشعور بالتحلل من العقدة النفسية الذي ساد بعد قرار المستشار القضائي للحكومة تقديم بنيامين نتنياهو للمحاكمة، كان لسبب ما يجب أن يدفن عميقا في الارض. "يوم حزين" و"يوم صعب على الديمقراطية الاسرائيلية"، هكذا ندب المحللون والسياسيون. ومن الجيد أنهم لم يطلبوا اعتبار هذا اليوم يوم حزن وطني وكتابة القصائد عنه على صيغة "على أنهار بابل".

بعد ذلك جاء دور الثرثرة بشأن القذارة التي وجهها نتنياهو ضد جهاز تنفيذ القانون وكأن الامر يتعلق بالملاك جبريل الذي بدأ فجأة بتلويث فمه، ولا يتعلق بملوث متسلسل في ظروف اخرى كان يجب أن يتم اعتقاله حتى انتهاء محاكمته بسبب الخطر من أن يؤثر على الشهود ويواصل التحريض ضد مؤسسات الدولة. القانون الذي عرف كيف يشوهه، وجهاز القضاء الذي يعتبره عدوا، هما الآن ما يتمسك به نتنياهو.

فجأة قال إنه سيفعل كل ما في استطاعته حسب القانون، وأن "كل العملية ستحسم في المحكمة ونحن سنقبل بقرارها". القانون، قال المتهم، يقرر أنه مسموح لرئيس الحكومة المنتخب أن يبقى في منصبه ايضا عندما تكون معلقة في رقبته لائحة اتهام، ومسموح له التنكيل بالدولة الى أن يصدر قرار حاسم، ومسموح له المطالبة بالحصانة.

يجب الانتظار بصبر، قال الجمهور المؤدب، الامر هو بضع سنوات اخرى، والمحكمة المركزية ستحسم وبعدها المحكمة العليا وفي نهاية المطاف سترون أن الامر سيكون جيدا. نصيبنا أخذناه: هو متهم بأن لديه افتراض البراءة. الخدعة هي أن هذا الاجراء هو اجراء قانوني، يشمل قرار افيحاي مندلبليت، نجح في أن يصب علينا اطنان من المواد المضادة للقذارة، بنكهة الخزامى ورائحة الليمون الى أن أصبحنا واثقين بأننا نجحنا في ازالة الغيمة النتنة التي تحوم فوقنا والبقاء طاهرين.

ولكن القذارة تعود الى كل زاوية، الملابس والشعر والعقل والقلب. وسرعان ما تعودنا على أنه اذا قام المستشار القضائي بإغلاق ملف فهذا يعني أنه لا يوجد اتهام. لقد قمنا بتبني المقولة التي تقول "اذا لم يكن هناك احتمال 100 في المئة للإدانة فان المتهم ناصع مثل الثلج، لا يوجد أمر وسط".

المستشار القضائي ربما يعلمنا فصل سياسي جديد، ولكنه غير مؤهل لتحديد حدود الاخلاق. ونحن، المواطنون الساذجون والابرياء، قمنا بتبني تعريفات المستشار. قمنا برفع نسبة التهمة بقدر المستطاع، شوهنا المعايير العامة لنا بتعريف الرشوة والتحايل والسرقة والكذب من اجل أن تلائم تفسير القانون.

الاخلاق والعدل والحقيقة والاستقامة، جميعها مفاهيم تنظم شبكة العلاقات بين الناس وبين رئيس الدولة، لقد قمنا بثنيها عندما تنازلنا عن السلطة الوحيدة التي توجد لدى الجمهور ضد القيادة الفاسدة، القوة لقول "كفى" دون انتظار حملة انتخابات اخرى واخرى.

لقد وافقنا على السماح للمتهم بأن يلعن ويشتم انظمة القانون والقضاء التي جميعنا نخضع لها ونخاف منها. لقد تعاملنا وما زلنا نتعامل مع نتنياهو على أنه مجنون القرية المسموح له فعل أي شيء.

الجمهور تم افساده جدا بغطاء القانون، الى أن نسي من هو السيد في الدولة. هذا جمهور يواصل كونه فاسدا طالما أنه يتعامل مع متهم بالعنف ضد الدولة ومستعد حتى بالسماح له بمواصلة القيادة، شريطة أن يفعل ذلك حسب القانون. لا يوجد أي لقب آخر للجمهور الذي يواصل الثرثرة وهز الرأس ولا ينطلق الى الشوارع.

عندما نوافق على فهم "الحقيقة القانونية" لنتنياهو فنحن نواصل أن نرش على أنفسنا المزيد من عطر الخزاما المطهر عندما تفيض المجاري. نتنياهو لا يمكنه مواصلة ادارة الدولة حتى ليوم واحد، وحتى لو كان القانون يسمح له. إن قرار مندلبليت ضد نتنياهو هو ايضا تهمة شديدة ومبررة امام الجمهور، الذي ساهم بصبره وساعد بصمته في تنكيل نتنياهو له.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب