أهمية اتفاق التطبيع مع السودان تكمن أساسا في الزخم الدبلوماسي الإسرائيلي مع العالم العربي، وبقدر اقل في امكانياته الكامنة الأمنية والاقتصادية الفورية
ان الاهمية الاساس لاتفاق التطبيع مع السودان هي في تواصل الزخم الايجابي الناشئ: فهذا هو الاتفاق الثالث للتطبيع في الاشهر الاخيرة، لا يعزز الفهم في العالم العربي والاسلامي بأن الفيتو الفلسطيني على اقامة علاقات مع اسرائيل لم يعد قائما. ومع ذلك، فإن مراجعة واعية للاعلان المشترك، توضح أن هذا ليس اتفاق سلام شامل ونوعي مثل الاتفاق مع دولة الامارات. ثمة خمسة مناظير للفرق بين هذين السياقين.
1. السلام مقابل اللا حرب. الانجاز الدبلوماسي والاستراتيجي المبهر في الاتفاق مع الامارات يجد تعبيره في أنه السلام المطلق، سلام حار بين الزعماء وبين الشعوب، سلام يتعلق في كل مجالات الحياة. وبالمقابل، في السودان سجلت منذ الان خلافات على مجرد الاتفاق مع اسرائيل بين المجلس العسكري- المؤيد للاتفاق- وبين الحكومة المدنية التي تتحفظ منه، فيما تحرق اعلام اسرائيل في ساحات الخرطوم وتطلق اصوات سياسية تتحدث ضد الاتفاق.
2. اللا حرب التاريخي مقابل الحساب التاريخي السلبي. يتصدر زعماء الامارات فكرا معتدلا وحديثا، ولم يسبق أن قاتلوا ضد اسرائيل. اما مع السودان، بالمقابل، فتوجد لاسرائيل حسابات غير بسيطة: من حرب يوم الغفران، التي شاركت فيها قوات سودانية، وحتى الدعم النشط لمنظمات الارهاب الفلسطينية. كما سمح السودان لايران بان تقيم بنية تحتية لانتاج الوسائل القتالية وشبكة تهريب لحماس والجهاد في غزة. الخرطوم هي ندبة في علاقات اسرائيل مع العالم العربي: هناك تقررت اللاءات الثلاثة في 1967، واضافة الى ذلك، في الخرطوم قتل ايضا السفير الامريكي بأمر من عرفات في 1973، وزعماؤها مشاركون في قتل شعب وفي جرائم حرب في اقليم دارفور.
3. مال اسرائيلي مقابل مال امريكي. السلام مع الامارات بادر اليه الامريكيون، والمقابل للسلام دفعته اسرائيل: وقف الضم (مقابل لا ينبغي الاسف عليه) والمس بتفوقها النوعي في المجال العسكري. اما المسيرة مع السودان فبادرت اليها اسرائيل، وثمنها دفعه الامريكيون – باخراج السودان من قائمة الارهاب وبالمساعدة المالية للدولة التي تعيش ازمة اقتصادية عميقة. وهكذا بخلاف الامارات التي وصلت الى العرس الدبلوماسي ببهجة وبفرح، يجر السودانيون الارجل كل الطريق الى الاحتفال.
4. التطبيع السريع مقابل التطبيع الزاحف. السلام مع الامارات تحقق بسرعة كبيرة: الاعلان العلني في آب، التوقيع الرسمي في البيت الابيض في ايلول، توقيع سريع على اتفاقات تعاون، رحلات جوية متبادلة وعلاقات اكاديمية، تجارية واقتصادية. وحدها جائحة الكورونا تعيق السياح وتبادل الطلاب. اما مع السودان بالمقابل، فبانتظار اسرائيل مسيرة طويلة من المصادقات، الاحتفال بعيد والشارع في الخرطوم لن يرد مثلما رد الشارع في ابو ظبي او في دبي. الدعم الشعبي للفلسطينيين، مثلما هو ايضا الوضع السياسي الهش في الدولة اللذان يوجدان منذ الاطاحة بالدكتاتور عمر البشير في السنة الماضية سيكونان اثقالا هامة على التطبيع.
5. دولة صغيرة ولكن غنية مقابل دولة كبيرة ولكن فقيرة. الامارات دولة صغيرة مع اقتصاد متطور ومقدرات كثيرة. اما السودان وان كان دولة كبيرة – الثالثة في حجمها في افريقيا – ولكنها مع اقتصاد غير متطور. في أبو ظبي يوجد طلب على القدرات الإسرائيلية المتطورة: تكنولوجيا، طلب، تكنولوجيا عليا وزراعة. ومع ذلك، فان قدرة السودانيين على شراء ما يمكن لاسرائيل ان تعرضه متواضعة اكثر بكثير.
كما أسلفنا فان اهمية اتفاق التطبيع المتحقق بين إسرائيل والسودان تكمن أساسا في الزخم الدبلوماسي لإسرائيل مع العالم العربي والإسلامي وفي تعزيز قطع السودان عن ايران، وبقدر اقل في الامكانية الكامنة الأمنية والاقتصادية الفورية له. اما في المدى البعيد فموقع السودان كجسر بين شمال افريقيا العربي وافريقيا جنوب الصحراء يمكن أن يحقق إنجازات كبيرة – سياسية، امنية واقتصادية. واذا تمكنا من توجيه التطبيع الى سلام حار اكثر، نطفئ المواجهة مع الفلسطينيين ونثبت للسودانيين بان ثمار السلام تساهم في خروجهم من الازمة التي يعيشونها – فلعله في المدى البعيد يتحقق نموذج للسلام الحار مع الامارات في السودان أيضا.
يديعوت أحرنوت- 27/10/2020
إضافة تعقيب