يوئيل غوجنسكي
نظرة عليا- 29/10/2020
نشرة معهد أبحاث الأمن القومي
*بالنسبة للمملكة تبقى مسألة العلاقات مع اسرائيل مرتبط بمسألة استقرارها ومكانتها والتقدير هو أن اتفاقا مع اسرائيل في الوقت الحالي يعتبر خطوة واحدة ابعد مما ينبغي. ولكن هذا لا يعني انه اتخذت استعدادات له ولا سيما في كل ما يتعلق بتهيئة الرأي العام السعودي والعربي المتبقي في معظمه ضد التطبيع مع إسرائيل*
في إطار زخم اتفاقيات السلام والتطبيع في دول في الخليج وفي افريقيا، لاسرائيل مصلحة في اتفاق مشابه مع المملكة السعودية ايضا بسبب اهميتها السياسية، الاقتصادية والدينية. ولكن للسعودية مسائل ملحة مختلفة، داخلية وخارجية، ولها حساسية خاصة بها أيضا. وسيكون ثمن تطبيع العلاقات اعلى عليها من باقي دول الخليج. وبالتالي، ليس واضحا متى وبأي شروط ستوقع على اتفاق مثل اتفاقيات ابراهيم. وسيحلل هذا المقال الاعتبارات السعودية – الفرص والتحديات المرافقة لخطوة تطبيع العلاقات مع اسرائيل – وسيقف على معانيه وفرص احتمالاته.
قطعت السعودية شوطا من موقفها المعروف في الماضي كي تؤيد اتفاقيات ابراهيم. سياسة "الدعم من الخارج" هذه تنعكس في منح إذن لشركات طيران اسرائيلية التحقيق فوق اراضيها، في التغطية والتحليل (الايجابي نسبيا) في وسائل الاعلام الكثيرة التي توجد في ملكية المملكة وبتصريحات مسؤوليها في الماضي وفي الحاضر.
وصرح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان مؤخرا بأن تطبيع العلاقات بين الدولتين نهايته ان يحصل. ولكنه شدد على التزام المملكة بحل المسألة الفلسطينية على اساس مبادرة السلام العربية. ولم يعد السعوديون يوفرون سوطهم عن القيادة الفلسطينية على اجيالها ويتهمونها، الى جانب اسرائيل، كمسؤولة عن عدم التقدم في المسيرة السلمية.
تطورت العلاقات بين اسرائيل والسعودية على مدى السنين في عدد من القنوات المتوازية: قناة أمنية – استخبارية، لا تزال تشكل اساسا متينا، وان كان ضيقا، للعلاقات وتبقى بطبيعة الاحوال سرية؛ قناة اقتصادية – تجارية هادئة هي الاخرى؛ وفي السنوات الاخيرة ايضا قناة في مركزها حوار ديني.
الى جانب السرية التي تتميز بها الغالبية الساحقة من العلاقات، تطورت مع الزمن ايضا علاقات علنية وهي تتضمن اليوم ايضا لقاءات بين مسؤولين من الطرفين، ولا سيما ممن تبوأوا في الماضي مناصب رسمية، وبنقل رسائل علنية.
ورغم نفي المسؤولين السعوديين، معقول ان المفاوضات والاتفاقيات مع مجلس التعاون، مع الامارات، البحرين والسودان تمت بعلم وتأييد بعض القيادة السعودية على الاقل. وكقاعدة، فان الاتفاقيات الموقعة مع هذه الدول تخدم المملكة وتوفر لها مثابة باروميتر يمكنها من خلالها ان تفحص التحولات والمخاطر المحتملة بما في ذلك رد فعل الرأي العام على اتفاق محتمل مع اسرائيل.
تحديات التطبيع
يبدو أن القيادة السعودية منقسمة في مسألة التطبيع. بينما يطلق مسؤولون سعوديون في الماضي وفي الحاضر تصريحات علنية بالنسبة لاسرائيل، يبدو أن الملك سلمان يتمسك بموقف تقليدي اكثر تجاه اسرائيل والنزاع بينه وبين الفلسطينيين.
في خطابه في ايلول 2020 امام الجمعية العمومة للامم المتحدة ربط سليمان مرة اخرى بين التطبيع مع اسرائيل وبين التزام الاخيرة بسلسلة من الشروط القائمة على مبادئ مبادرة السلام العربية. يحتمل أن يكون الاختلاف في رسائل القيادة السعودية في هذه المسألة يعتبر ايضا عن مصلحة في الحفاظ على مجاور مناورة يسمح في ظروف معينة بالتراجع الى الوراء او بالسير الى الامام نحو التطبيع.
واحتمال التطبيع مع اسرائيل سيرتفع مع وفاة سلمان وبالتأكيد اذا ما توجه ابنه محمد ولي العهد ملكا. معقول أن تتأثر مسألة التطبيع مع اسرائيل ايضا بفهم ابن سلمان الى اي مدى يمكن لهذه الخطوة ان تعرقل تعيينه وذلك لانه لا يزال يحتاج في كل الاحوال لان يحظى بالشرعية الداخلية.
فضلا عن السياسة الداخلية يثور السؤال الى اي مدى ينفتح المجتمع السعودي، المحافظ في معظمه لامكانية أن يحتوي اتفاقا مع اسرائيل. حتى الان، باستثناء بعض النقد، عرف المجتمع السعودي كيف يحتوي خطوات تغيير اجتماعية واقتصادية هامة في السنوات الاخيرة. ولكن هذا لا يعني ان اتفاق سلام مع اسرائيل سيحظى بمثل هذا التأييد.
وكمساعدة لخطوة التطبيع توجد بعض التغييرات البنيوية الاخيرة في المملكة في مبنى وشخوص مجلس الشورى ومجلس الحكماء، كفيلة بان تمنح اطارا اكثر راحة ومرونة اكبر للأسرة المالكة لاتخاذ خطوات بعيدة الاثر كهذه.
لا تخفي الاسرة المالكة رغبتها في تغيير الخطاب الداخلي، بما في ذلك الديني. فالدين يلعب دورا مركزيا في الخطاب في المملكة، كوسيلة لدى السلطات بتهيئة القلوب وتجميد الدعم الشعبي لسياستها. وسيتواصل ابن سلمان الاستعانة بالمؤسسة الدينية الممولة من الدولة كي يصد الاعتراضات ويحاول تسويغ خطوات سياسية موضع خلاف بما في ذلك التطبيع مع اسرائيل.
توجد المزيد من الادلة على تبني خطاب متسامح اكثر تجاه اليهود واليهودية وذلك اغلب الظن بهدف فحص رد الشارع وذلك ايضا ببث رسائل التطبيع والتعايش في الخطاب العام. وتأتي ردود الفعل السلبية على هذا الجهد من المنفيين السعوديين اساسا، من معارضي النظام في معظمهم، وليس من المواطنين الذين يخشون التعبير علنا عن ارائهم المعارضة للاسرة المالكة.
تحدٍ آخر يرتبط بحفظ مكانة المملكة في العالم الاسلامي. هذا الموضوع هو مصلحة عليا لها ومن شأنه أن يتضرر بالنقد عليها من جهات تسعى لان تتبنى الموضوع الفلسطيني وتناكفها بواسطته مثل تركيا وايران.
المملكة في حالة منافسة على النفوذ في العالم الاسلامي مع من يسعون لتحدي مكانتها والاتفاق مع اسرائيل من شأنه ان يمس بهذه المنافسة. وبسبب وزن المملكة في العالم الاسلامي فان الاتفاق معها يحمل قيمة خاصة وسيسمح لاسرائيل كما ينبغي الامل بتحسين علاقاتها مع عموم العالم الاسلامي.
ثمار التطبيع
ستساعد اقامة علاقات رسمية مع اسرائيل السعودية في تحقيق عدد من الاهداف الاستراتيجية. اولا، يتضح في السنوات الاخيرة الشك الذي تطرحه النخبة السعودية في استعداد الولايات المتحدة بالوقوف الى جانبها حين تتضرر مصالحها الحيوية. وللسعودية مصلحة واضحة في أن تكون واشنطن ضالعة بشكل عميق في الشرق الاوسط، وتبقي التزاما وحساسية اعلى للمصالح السعودية، ولا سيما في كل ما يتعلق بايران، وترى الرياض في اتفاق مع اسرائيل وسيلة لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة. ويحتمل أن يكون السعوديون يبقون الموقف من الموضوع الى ما بعد الانتخابات في الولايات المتحدة، حين يكون لهم ما يعطوه لبايدن، اذا ما فاز بالطبع. ان تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة هو مصلحة سعودية عليا وله تأثير ايضا على مكانة ابن سلمان في الداخل.
ثانيا، اتفاق مع اسرائيل كفيل في نظرها ان يحسن صورتها ومكانتها الدولة التي تضررت في السنوات الاخيرة، بسبب بعض الخطوات التي اتخذتها. اتفاق مع اسرائيل كفيل بان يحسن هذه الصورة ولا سيما في الكونغرس وهو يتوافق مع المحاولة السعودية لتسويق "الاسلام المعتدل" كجزء من عملية حداثة متواصلة. للسعودية مزايا محتملة اخرى في شكل اتفاق مع اسرائيل، وان كان بعضها يعطى لها دون حاجة للاعلان عن العلاقات.
ولكن الاعلان سيسهل عليها، مثلا، الوصول الاكثر راحة الى تكنولوجيا اسرائيلية بل وربما الى تعزيز مكانتها في الاماكن الاسلامية المقدسة في اسرائيل. يشار الى ان تعاظم التخوف السعودي من ايران كفيل بان يكون عنصرا مشجعا للتقرب من اسرائيل، وليس بالذات بالتوقيع على اتفاق رسمي مثلما يمكن له أن يكون ايضا عامل ابعاد.
المعاني لاسرائيل
بالنسبة للمملكة تبقى مسألة العلاقات مع اسرائيل مرتبط بمسألة استقرارها ومكانتها والتقدير هو أن اتفاقا مع اسرائيل في الوقت الحالي يعتبر خطوة واحدة ابعد مما ينبغي. ولكن هذا لا يعني انه اتخذت استعدادات له ولا سيما في كل ما يتعلق بتهيئة الرأي العام السعودي والعربي المتبقي في معظمه ضد التطبيع مع اسرائيل. كلما شعرت المملكة ان بوسعها ان تراقب وتتحكم بالخطاب العام فإنها ستشعر اكثر امانا بأخذ خطوات تقارب مع اسرائيل.
في السطر الاخير فان السعودية تتخذ خطوات مدروسة نحو تطبيع علاقاتها مع اسرائيل في مثابة "التطبيع الزاحف". وفي وزن القضايا الاضطرارية والمزايا من الصعب أن نقرر متى وفي اي ظروف ستتفضل المملكة للانضمام الى اتفاقيات ابراهيم. والدرس من التوقيع على هذه الاتفاقيات هو أنه لا يمكن استبعاد هذه الامكانية. في الطريق الى الاتفاق ستدرس المملكة مقياسين اساسيين: استمرار وتوسيع اتفاقيات ابراهيم وتحسين العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين.
واستعداد اسرائيلي لاتخاذ خطوات تدعم مسيرة السلام ستساعد هذين المقياسين وتساعد امكانية أن تطبع السعودية علاقاتها مع اسرائيل اخيرا. عوامل اخرى كفيلة بان تساعد هي موافقة امريكية على بيع طائرات اف 35 ووسائل قتالية متطورة اخرى للسعوديين وتغييرات داخلية في المملكة تتعلق بتحسين مكانة اسرائيل في الرأي العام وبهوية الملك السعودي.
إضافة تعقيب