news-details

السفير الاماراتي رسم خطا أحمر في مسألة الضم

تسفي بارئيل

 

"كنا نريد أن نصدق بأن اسرائيل هي فرصة وليست عدوة. نحن نقف امام أخطار كبيرة جدا من الشراكة ونرى الامكانية الكامنة الضخمة في اقامة علاقات دافئة أكثر. قرار اسرائيل بالضم سيشكل علامة لن يكون بالامكان تجاهلها بخصوص مسألة هل هي ترى الامور بنفس الطريقة".

 في هذه الجمل التي كتبها سفير اتحاد الامارات في واشنطن، يوسف العتيبة، في مقال نشر في "يديعوت احرونوت" يكمن جوهر الرؤية التي توجه ليس فقط الامارات، بل ايضا معظم الدول العربية. فمن جهة، اسرائيل هي حقيقة واقعة، شريكة محتملة وحتى فعلية، في الصراع الذي يجري ضد نفوذ ايران في المنطقة وضد الاسلام الراديكالي، وهي حيوية لتعزيز العلاقات بين الدول العربية والولايات المتحدة. ومن جهة اخرى، تقف المشكلة الفلسطينية التي بدون حلها فان هذه الامكانية لن تتحقق.

مقال العتيبة يوضح بصورة واضحة وقاطعة أن التقارير حول تأييد الدول العربية، خاصة دول الخليج لخطة الضم لا أساس لها. وحتى لو كانت شخصيات عربية كبيرة قد أسمعت في الغرف المغلقة ادانات لموقف الفلسطينيين ورفضهم خطة ترامب للسلام، فان للموقف المعلن وزنا اكبر. 

هذا ليس موقفا ايديولوجيا أو تمسكا لا هوادة فيه بالقانون الدولي. يمكن أن يكون للضم تداعيات سياسية خطيرة منها ما سيضع الانظمة العربية امام رأي عام محلي مناكف يلزمها بالامتثال له. هذا الرأي العام تم التعبير عنه في الردود القاسية في الشبكات الاجتماعية وفي اقوال محللين عرب، سواء بسبب نشر مقال العتيبة في صحيفة اسرائيلية أو بسبب مضمون الامور التي تعرض اسرائيل كفرصة. وقد كانت حماس والجهاد الاسلامي أول من أدان المقال وكاتبه، وانضم اليهم ايضا حركة فتح ونقابة الصحافيين الفلسطينيين الذين يرون في هذا النشر خرق واضح لسياسة عدم تطبيع العلاقات مع اسرائيل.

ولكن الردود على المقال تتقزم ازاء الخوف الفوري من أن الضم يمكن أن يستخدم كذريعة لمظاهرات صاخبة في الاردن، ستضع الملك عبد الله أمام معضلة استمرار اتفاق السلام مع الاردن. ويمكن أن تنزلق ايضا الى دول اخرى. الضم ايضا يحطم جوهر مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية في العام 2002، التي طلب فيها من اسرائيل الانسحاب من جميع المناطق المحتلة مقابل التطبيع وحزام أمني عربي. وهي مبادرة تم اعتبارها كحجر أساس في أي مفاوضات سياسية.

اسرائيل تدعي في الحقيقة أن الضم يوجد في خطة السلام لترامب، لكنها تتجاهل أن واشنطن تعتبر الضم جزءا من خطة كاملة تشمل في النهاية اقامة دولة فلسطينية، واستهدفت بناء شبكة علاقات جديدة وطبيعية بين اسرائيل والدول العربية. محاولة ترجمة تأييد عدد من الدول العربية لخطة ترامب الى موافقة على ضم أحادي الجانب هو تضليل متعمد، يمس ليس فقط باحتمالية تعزيز العلاقات مع دول الخليج، بل يمس ايضا بمكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. 

لذلك، فان الامر يتعلق بمقال هام ينقل رسالة شديدة ودقيقة، سواء لحكومة اسرائيل أو للادارة الامريكية. مقالات كهذه، استهدفت التحدث مباشرة الى الجمهور من فوق رؤوس الحكومات، تنشر بشكل عام بعد فشل جهود دبلوماسية وسرية أو علنية بين زعماء الدول وممثليها. دولة اتحاد الامارات لا تتحدث في الحقيقة باسم دول الخليج الاخرى ولا تمثل زعماء عرب آخرين، لكنها تعرض قاسما مشتركا غير رسمي، يوضح الخط الاخضر الذي يقيد ايضا المواقف العربية الاكثر اعتدالا بالنسبة لاسرائيل. 

محمد بن زايد، الحاكم الفعلي لدولة الامارات، لا يتحدث فقط عن علاقات الدولة مع اسرائيل، مثلما تم التعبير عن ذلك في زيارات لرجال اعمال اسرائيليين في دبي، أو ارسال طائرات المساعدة التي هبطت في مطار بن غوريون، بل هو يعمل بالتشاور مع ولي العهد السعودي من اجل الدفع قدما بخطة ترامب.

دولة الامارات تعتبر الدولة العربية الاكثر تأثيرا في واشنطن بعد خفوت نجم السعودية في اعقاب قتل الصحافي جمال الخاشقجي من قبل رجال أمن سعوديين، كما يبدو بتعليمات مباشرة من ولي العهد محمد بن سلمان. يوسف العتيبة (46 سنة) يشغل منذ العام 2008 منصب سفير بلاده في واشنطن التي تعلم فيها للقب الثاني في العلاقات الدولية. 

في سن الـ 26 تم تعيينه ليترأس مكتب الشؤون الدولية في مكتب ولي العهد والحاكم الفعلي للدولة، الشيخ محمد بن زايد. وهو أحد الاشخاص المقربين جدا من الولايات المتحدة والصديق المقرب لجارد كوشنر، صهر ترامب. العتيبة كان الوسيط الذي ربط بين كوشنر ومحمد بن سلمان. وعمل كمرشد لكوشنر في شؤون الشرق الاوسط.

شبكة العلاقات هذه والمكانة التي حظي بها في واشنطن يمكن أن تشير الى أن المقال شاهدته أعين كبار الشخصيات في امريكا، وربما حتى أعين كوشنر، قبل نشره. كوشنر معروف بمعارضته للضم أحادي الجانب، خلافا للسفير الامريكي في اسرائيل دافيد فريدمان، ولن يكون من الخطأ فهم المقال كجزء من الصراع السياسي الداخلي في البيت الابيض حول مسألة الضم. 

واذا كان في الحقيقة المقال قد تم طلبه أو على الأقل استهدف مساعدة كوشنر من اجل التأثير على صهره ترامب، ووقف نية الضم لاسرائيل، فانه يمكن أن يبرهن على قوة التجند ضده وربما حتى على الغضب الذي على الاقل عدد من الشخصيات الرفيعة في البيت الابيض تظهره تجاه فكرة الضم. وسلوك العتيبة يذكر بدرجة كبيرة بسلوك السفير السعودي (الأبدي) في واشنطن، بندر بن سلطان، الذي خلال عشرات السنين أملى باسم المملكة سياسة الولايات المتحدة تجاه الدول العربية.

موقف دولة الامارات يسمع جيدا في واشنطن، وليس فقط في القضية الفلسطينية: هي مشاركة بصورة فعلية في القتال في ليبيا بين الزعيم الانفصالي خليفة حفتر وبين قوات الحكومة المعترف بها الى جانب روسيا ومصر، ويمكنها أن تدفع قدما باتفاق سلام بين الخصمين، وهو حل يسعى اليه الرئيس ترامب. وهي ايضا كانت شريكة للسعودية في الحرب في اليمن، وبعد أن قامت بسحب قواتها بضغط من امريكا، اضطرت السعودية الى البدء في مفاوضات مع الحوثيين.

 فبفضل استثماراتها الضخمة في دول الشرق الاوسط، لا سيما في مصر والاردن والسودان، وقرار استئناف العلاقات الدولية مع سوريا، تحولت من دولة هامشية على الصعيد السياسي الى دولة لها روافع ضغط مهمة في الخطوات السياسية في الشرق الاوسط، بما في ذلك في ايران التي وقعت معها على اتفاقات بشأن الدفاع عن الملاحة في الخليج الفارسي.

على هذه الخلفية، مطلوب من بنيامين نتنياهو التعامل مع مقال العتيبة على أنه وثيقة سياسية تم توزيعها من اجل أن يفحصها زعماء الدول، وليس فقط لتشاهدها عيون مواطني دولة اسرائيل. العتيبة لا يعتبر وسيط يحاول أن يبيع اسرائيل سياسة سيئة، بل هو يطرح عددا من المصالح التي تحققها سيخدم دولة اسرائيل أكثر مما يخدم مصالح دولته. وهو لا يمكنه البقاء بدون أي رد.

هآرتس- 14/6/2020

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب